8 مايو، 2019


شكري الصيفي – باحث من تونس :

 

تتواصل الأزمة في ليبيا لتبلغ ذروتها مع الحرب على طرابلس، في ظل انشقاقات داخلية عميقة وتدخلات إقليمية ودولية باتت واضحة وغير مسبوقة. المشهد الليبي أصبح مشهدا ميلشيويا ومناطقيا بامتياز منذ 2011، رغم وجود قطبين عسكريين، أحدهما يمثله الجيش الوطني التابع للبرلمان بقيادة خليفة حفتر والذي يتمركز شرقا في بنغازي. والثاني تقوده حكومة الوفاق الوطني المتمردة غربا في طرابلس.

وضمن هذين القطبين توجد مجموعات عسكرية لها ولاءات متعددة داخل البلاد وخارجها. الصراعات حولت ليبيا إلى هاجس أمني إقليمي ودولي، وسط مخاوف من أن تصبح مأوى للجماعات الإرهابية الفارة من سوريا والعراق بالأخص ومناطق أخرى. كما أن الأزمة الليبية أصبحت عاملا أمنيا مؤثرا على دول الجوار، ودفعت الى محاولات أممية وإقليمية ودولية من اجل انهاء هذه الفوضى وفتح باب الحوار والدعوة الى اجراء انتخابات جديدة، كان اخرها مؤتمر غدامس للفرقاء الليبيين، الذي تم اجهاضه بفعل حرب طرابلس التي تشنها قوات حفتر.

ويأتي هذا المؤتمر بحسب بعض المراقبين وسط خلافات محلية صرفة، بل أيضًا وسط صراع إقليمي ودولي، لعل أبرز أطرافه فرنسا وإيطاليا اللتين تسعيان لفرض نفوذهما في بلد متوسطي مهم اقتصاديًا وجيوسياسيًا كليبيا. والصورة العامة للصراع تبين أن إيطاليا تدعم معسكر غرب ليبيا وخاصة حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج. ولا تبدو أنها تحبذ استبدال السراج ومجلسه الرئاسي، بينما تدعم باريس شرق ليبيا الذي يسيطر عليه الجنرال خليفة حفتر دون منازع.

دول عدة منخرطة بشكل وبآخر من خلال مواقفها في الملف الليبي بينها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا ودول خليجية خصوصا السعودية والامارات وقطر ومصر والجزائر وتونس. وهو أمر قد يجعل التسوية السياسية أمرا معقدا وشائكا في ظل أزمة باتت مدولة بالكامل. الأمم المتحدة ورغم مساعيها من خلال بعثتها في طرابلس ولقاءات الأمين العام للمنظمة الدولية بأطراف النزاع، تجاوزها الملف الليبي وأمر تسويته خاصة عقب اخفاق خطتها لعقد مؤتمر وطني جامع بغدامس، الذي أخذت فيه التزاما من مختلف الأطراف الليبيين بالمشاركة وإعداد الإطار الدستوري لإجراء انتخابات، والاستفتاء على مشروع دستور، وتشكيل جيش موحد تحت قيادة مدنية.

هذه الخطوة الأممية دعمت ببيان ختامي للقادة العرب في قمة تونس الأخيرة[1] والذي أكد على حل عاجل للأزمة في ليبيا، لكن خارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة، سقطت في أول اختبار ميداني كان رهانه السيطرة على العاصمة الليبية. هكذا أجهضت عملية حفتر العسكرية المستمرة منذ مطلع ابريل الماضي بدخول قواته مدينة غريان ومناطق أخرى غرب ليبيا، ومن ثمة إلى مناطق جنوبي طرابلس في مسعى لتحقيق انجاز ميداني عسكري يحدث التغيير في المعادلات السياسية القائمة.

لكن العمليات التي تواصل تنفيذها قوات حفتر، باتت تراوح مكانها في ظل ردة الفعل العسكرية لقوات الوفاق التي يقودها السراج. مؤشرات عدة تثبت ان هذا الصراع المستجد جنوب طرابلس بات مدولا ومدعوما إقليميا وعربيا. فقد نقلت تقارير صحفية عن دعم عربي وخليجي لحفتر بالمال والسلاح[2]، ولعل زيارات حفتر إلى العواصم العربية بدءا من القاهرة تشي بخارطة علاقاته المتشابكة إقليميا. في ظل تأكيد مصري واضح ، خلال لقاء حفتر – السيسي[3]، على دعم جهود مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والأمن في مختلف مناطق ليبيا.

دوليا يبدو الموقف الفرنسي[4] مساندا للتحرك العسكري الذي ينفذه حفتر من خلال خدمات استخباراتية واستشارية وميدانية. هذا الدعم السياسي والعسكري لقوات يأتي ضمن سلسلة تحولات يشهدها الجوار الليبي في الجزائر والسودان، وهو ما يطرح عدة أسئلة بشأن العلاقة بين هذه المستجدات الإقليمية والمشهد الليبي. في الجانب المقابل، وبعد الصدمة الأولى لحكومة الوفاق وقواتها بقيادة السراج، جرت عملية تحشيد واسعة للمجموعات المسلحة الموالية خاصة في طرابلس ومصراتة لدعم القوات التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق، لتتمكن تدريجيا من التقدم واسترجاع المطار الدولي المهجور والعزيزة والهيرة ومناطق أخرى. وكما تحظى قوات حفتر بالدعم الخارجي، لحكومة الوفاق بدءا من تركيا وقطر وإيطاليا. وباتت معركة طرابلس بمثابة صراع إقليمي ودولي على النفوذ والمصالح الاقتصادية والنفطية.

هل من تسوية سياسية ممكنة تنهي القتال جنوب طرابلس وتحيي العملية السياسية ؟

تبدو جميع الأطراف الداخلية منها والخارجية في انتظار حسم عسكري ميداني تتبلور من خلاله التوجهات العامة لمبادرات التسوية. ولا تعدو ان تكون البيانات الصادرة من هنا وهناك سوى رفع عتب ومواقف عامة ودبلوماسية، تنتظر بناء التوازنات الجديدة ضمن معادلات وخارطة طريق واضحة للمرحلة القادمة. وفي انتظار حسم صراع قد يطول أمده الزمني، يتوقع مراقبون أن تطرح خيارات جديدة للأزمة الليبية الفارقة، ولا يستبعد البعض خيار التقسيم، الذي بات أمرا واقعا.

 

 

 

[1]  أنظر البان الختامي للقمة العربية بتونس http://scm.gov.eg/%D9%86%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%A3%D9%A0/

[2] Nicloa Pedde, The Gulf and Europe: Libya’s proxy war is a web of conflicting narratives, 25 april 2019, Middle east eye,

https://www.middleeasteye.net/opinion/gulf-and-europe-libyas-proxy-war-web-conflicting-narratives

[3] Egypt today Staff, Sisi, Haftar discuss Libya’s turmoil, 14 april 2019, https://www.egypttoday.com/Article/1/68297/Sisi-Haftar-discuss-Libya%E2%80%99s-turmoil

[4] Paul Taylor, France’s double game in Libya, 17 april, 2019, Politico, https://www.politico.eu/article/frances-double-game-in-libya-nato-un-khalifa-haftar/

 

Print Friendly, PDF & Email