18 مايو، 2019


  • أحداث الربيع العربي أخرت مخطط واشنطن لضرب إيران منذ 2012

  • صواريخ طهران غير الدقيقة قد تضرب أهدافا مدنية بالخليج بشكل عشوائي

  • تمدد إيران في المنطقة بسبب زيادة الانقسامات بين الدول العربية

 

18 مايو 2019

قسم أبحاث المركز (MenaCC)

تقرير

ملخص التقرير : يبدو أن مخطط ضربة عسكرية أمريكية محدودة لأهداف مركزة في طهران كان جاهزا منذ 2012 في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلا أنه على الأرجح تأخر بفعل اندلاع أحداث الربيع العربي التي راهنت الإدارة الامريكية على أن يطال إيران أيضا ويكون التغيير التي تطمح له واشنطن من الداخل. الا أن إيران استفادت من هذا الربيع لتقوية نفسها داخليا وتعزيز نفوذها في المنطقة.

وقد تكون الظروف اليوم ملائمة لإدارة الرئيس دونالد ترامب لحسم المخططات المعلقة وبالتالي تنفيذ المخطط الذي تردد أوباما في اتخاذ قرار فيه الى أن وجد مخرجا للملف بعقد اتفاق نووي يخدم الإيرانيين أكثر من غيرهم. لكن ترامب في حال إعطائه الضوء الأخضر لضربة محدودة فقد تكون بسيناريوهات مختلفة ومبتكرة. اذ ان سيناريو الضربة سيعتمد على عنصر المفاجأة. وقد لا يتم استهداف أراضي إيران بل على الأرجح يمكن استهداف قوات أو مواقع إيرانية أو عناصر موالية لإيران منتشرة في المنطقة وفي مناطق النزاع الأخرى وخصوصا في المناطق البحرية وذلك بعد استفزازها ودفعها الى عمل متهور يصنف بالعمل العدائي ضد مصالح واشنطن وحلفائها.

وإذا كانت معارضة ترامب المعلنة لعدم التورط في الشرق الأوسط، فان استراتيجية إدارته تجاه إيران لا تبدو مضطربة. اذ تصف التقارير الأمريكية ان ترامب ليس لديه فلسفة السياسة الخارجية، فكل ما يفعله يتم وفقًا لما يعتقد أنه أكثر ملاءمة سياسية في الوقت الحالي. وقد يأمل البيت الأبيض في عدم الذهاب إلى الحرب التقليدية التي تستنزفه على غرار حرب العراق، الا انه منذ عدة سنوات كشفت تغريدات ترامب نفسه المنتقدة لـ(أوباما) في 2012 أن الرئيس أوباما “اليائس” آنذاك كان يخطط لمهاجمة إيران من أجل “حفظ ماء الوجه” و “إعادة انتخابه”[1]. وقد يكون ترامب يفكر في الأمر نفسه، كما نجح في ذلك نظيره الأسبق الرئيس جورج بوش الابن الذي افتعل حرب العراق واستطاع الفوز بولاية ثانية.

وتدرك جيدا واشنطن أن أي ضربة محدودة لن تغير النظام الإيراني لكنها قد تكون رادعا لطموحات توسع نفوذه في المنطقة. حيث وعد ترامب منذ أكثر عام مضى أن الولايات المتحدة ستشرع في استراتيجية جديدة جريئة لإنهاء سلوك إيران المزعزع للاستقرار ومنعها من امتلاك سلاح نووي[2]. ووعد كذلك بأن أمريكا لن تكون أبداً رهينة للابتزاز النووي للنظام الإيراني وسيسعى بقوة إلى معالجة النطاق الكامل لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار.

فإذ صحت رؤية الحرب، هل إيران مستعدة لها عسكريا واقتصاديا؟

لم تتمتع إيران بالنفاذ إلى الأسلحة الحديثة منذ سقوط الشاه، في المقابل قوات دول الخليج العربي مجهزة بشكل عام بأحدث الأسلحة المتاحة والفعالة المستوردة من الولايات المتحدة وأوروبا بالإضافة الى توفر دعم استراتيجي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في أي طوارئ حربية خطيرة. لكن في الوقت نفسه، أحرزت إيران تقدماً كبيراً في تعزيز ترسانتها الصاروخية من خلال مزيج كبير من الصواريخ الباليستية والقذائف البحرية وقدرات أخرى يمكن أن تهدد خصوصا سفن الشحن في جميع أنحاء الخليج، وفي خليج عمان والبحر الأحمر[3].

ولم تخض إيران على اراضيها أي حرب تقليدية مباشرة منذ الحرب العراقية الإيرانية أي منذ نحو 30 عاما، ما عدى مشاركتها في حروب بالوكالة في عدد من صراعات المنطقة في سورية واليمن والعراق ولبنان. وعلى الأرجح ان مثل هذه الصراعات التي شاركت فيها قوات إيرانية وخصوصا في معارك غير تقليدية أشبه بحروب العصابات أكسبتها خبرات قتالية ميدانية إلا أنها تفتقد على الرغم من جهود التطوير الى تقنيات الحرب الحديثة وخصوصا على مستوى محدودية امتلاك قوة جوية وبحرية متطورة.

ومثلما كانت تخطط واشنطن لضرب إيران منذ سنوات، فان إيران أيضا على ما يبدو كانت تستعد لمثل هذه المواجهة الا انها لا تبدو حسب التصريحات المتضاربة لمسؤوليها تجاه سيناريو الحرب تتوقع عملا عسكريا قريبا ضدها وبهذا الزخم الذي هدد به ترامب. وبالتالي فان القوات الإيرانية اليوم حسب توازنات القوى والعتاد غير مؤهلة بالشكل الكافي، بالإضافة الى أن إيران لم تستكمل بناء سلاح ردع قوي يجعلها في موقف قوي قد يمكنها من ابتزاز دول المنطقة وواشنطن. لكن عدم استعداد إيران عسكريا لأي ضربات أمريكية لا يعني خيار رضوخ إيران نظرا لوجود خيارات كثيرة للرد الإيراني على احتمال عمل عسكري ضدها.

ففي حال قيام واشنطن بضربة عسكرية لأهداف إيرانية فان طهران على الأرجح قد لا تقدم على رد عسكري عنيف يجعلها تواجه حربا مصيرية، وقد تكون ردتها تكتيكية تراهن خلالها في البداية على التعاطف الدولي والاقليمي معها كونها المتضرر من عدم كفاءة قوة الخصمين والاعتداء على أراضيها ومصالحها. وبجانب هذا الخيار لدى طهران خيارات أخرى كارثية قد تتمثل في استخدام مخزون الصواريخ وتوجيه ضربات عشوائية نحو اهداف امريكية والقيام بعمليات انتقامية تخريبية في المنطقة ضد مصالح امريكية بواسطة موالين ومتعاطفين معها من تنظيمات وافراد وجهات رسمية وغير رسمية خصوصا في كل من سوريا ولبنان واليمن والعراق. وتعمل طهران على توسيع نفوذها ووجودها العسكري في هذه الدول[4].

وقد تستهدف الصواريخ الإيرانية غير الدقيقة القوافل الحربية الأمريكية وقواعدها في المنطقة بالإضافة الى الأراضي الإسرائيلية. وكذلك قد تسجل عمليات تخريبية مصاحبة منفردة تتمثل في تفجيرات يقوم بها موالون الى إيران في المنطقة. لكن المخيف في ردة فعل إيران المتوقعة أن تستهدف صواريخها غير الدقيقة حتى لو عن غير القصد المدنيين في دول الخليج التي تحتضن أغلب القواعد الامريكية في المنطقة.

وتبرز اهم مخاطر اندلاع صراع مسلح متاخم لدول الخليج توقع تسجيل ضحايا بين المدنيين بسبب الترسانة الصاروخية التي تقدر بالآلاف والتي تعتمدها اغلبها وحتى الجيل المتطور منها على تقنيات محدودة الدقة القتالية. وبالتالي ترتفع درجة مخاطر استهداف مواقع في دول الخليج سواء برا او بحرا على وجه الخطأ بسبب انحراف صواريخ إيران الموجهة بسبب قلة الدقة التكنولوجية التي تعاني منها[5].

كما يبرز احتمال خطر أكبر للحرب النفسية الجارية او العسكرية المحتملة بين كل من واشنطن وطهران ويتمثل في زيادة افراز العوامل المناسبة لتفريخ الإرهابيين واحياء الخلايا النائمة للتنظيمات الإرهابية بدعوى قتال الولايات المتحدة او الانتقام من تنظيمات وخلايا إيران في المنطقة. وهذا ما قد يوصف بالحرب العقائدية التي قد تطال دول الخليج. وبذلك زادت الضرورة الى اتخاذ إجراءات رفع حالة الطوارئ حتى في ظل هذه الحرب النفسية وتشديد الرقابة على الحدود ورفع مستوى التأهب للمخاطر الداخلية وخصوصا اندساس بعض المخربين مستغلين شهر رمضان للبعث برسائل تحذيرية أو انتقامية ضد مصالح طرفي النزاع. وإذا انتقل الى الصراع الى مواجهة عسكرية مباشرة فستكون دول الخليج أكثر الدول المتضررة لقربها من مناطق الصراع المحتملة.

زيادة الحاجة لجبهة خليجية واحدة للحد من المطامع الإيرانية

تدل خشية دول مجلس التعاون الخليجي من الصفقة النووية الإيرانية على تصور بين قادتها بأنه تم استبعادهم من عملية التفاوض التي قادتها دول الخمسة زائد واحد وأن مخاوفهم بشأن التدخل الإيراني لم تؤخذ في الاعتبار بشكل صحيح. ويسعى الرئيس ترامب إلى صياغة عملية تشاورية مستمرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يجعل دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، وهي الدول الأكثر تهديدًا من قبل إيران، لا توجد في مأزق. وتسعى واشنطن الى التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي كجهات معنية رئيسية في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لبناء استراتيجية شاملة لمقاومة النفوذ الإقليمي الخبيث لإيران، من خلال العقوبات والوسائل العسكرية حيثما أمكن ذلك.

وتراهن إدارة ترامب من خلال الجهود الديبلوماسية المبذولة مع حلفائها في مجلس التعاون على الوصول إلى إطار أمني أكثر احترافًا وتوحيدًا لدول الخليج. ومن خلال تنشيط التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي والشركاء الرئيسيين الآخرين في الشرق الأوسط، تراهن الولايات المتحدة على الاستفادة من التعاون مع الحلفاء لتحقيق الاستقرار ومكافحة التطرف ونشر القيم الأمريكية وإحباط محاولة إيران للهيمنة الإقليمية. وقد يكون تجديد التحالف الأمريكي مع دول مجلس التعاون الخليجي بمثابة ركيزة أساسية لسياسة الشرق الأوسط الناجحة التي تهدف لإنهاء الفوضى المتزايدة وعدم الاستقرار التي ابتليت بها المنطقة في السنوات الأخيرة.

وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي حسّاسة بشكل خاص إزاء المحاولات الإيرانية لإذكاء التوترات الطائفية. ولم تعاود طهران تكثيف محاولاتها إلا بعد الإطاحة بصدام حسين واندلاع الربيع العربي في عام 2011 والصفقة النووية في عام 2015 مع دول مجموعة 5 + 1. وأظهرت هذه الاختراقات التي قامت بها إيران في المنطقة نقاط ضعف بين دول مجلس التعاون الخليجي أهمها استمرار وجود خلافات واختلافات. وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدد من الاختلافات السياسية والفكرية بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي والتي شكلت في بعض الأحيان حجر عثرة أمام تشكيل جبهة موحدة ضد إيران. والجدير بالذكر أن قطر، التي تشترك في أكبر حقل للغاز في العالم مع إيران، وسلطنة عمان التي اتبعت استراتيجية للحفاظ على علاقات إيجابية مع جميع القوى المجاورة، اتبعتا مسارات مستقلة، بينما بقيتا في إطار مجلس التعاون الخليجي[6].

ولقد استفادت إيران من الانقسامات التدميرية الذاتية داخل العالم العربي التي فشلت في إنشاء هيكل فعال للتحالفات، وأهدرت الكثير من الأموال التي أنفقتها على القوات العسكرية ونقل الأسلحة، وهي منقسمة الآن.[7]

وتبرز متابعة الحرب النفسية التي تقودها واشنطن ضد طهران مدى الانقسام الداخلي في دوائر القرار السياسي الإيراني المرتبكة بشأن اتخاذ خطوات تقييها عملية عسكرية قد تنتهي بإطاحة النظام لأن المعركة المحتملة لا يمكن أن تحسم جوا أو بحرا بل من خلال تدخل بري لا يمكن أن يحدث الا اذا سارت مجرية الحرب ضد مصالح واشنطن وفي حال الحاق القوات الإيرانية ضرارا انسانيا وماديا بالقوات الأمريكية وبمصالحها في المنطقة ما يترتب عنه المرور الى خطة تغيير النظام من الداخل بواسطة عملية برية لهدف سياسي وانتقامي قد يقدم عليه الجمهوريون.

 

المصدر : مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

 

 

 

[1] Rayan Bort, The Trump Administration Is Thirsty for War, Intelligence Be Damned, Report, Rolling Stone, May 2019, https://www.rollingstone.com/politics/politics-news/war-iran-trump-administration-intelligence-835531/
[2]MICHAEL R. POMPEO, SECRETARY OF STATE, Anniversary of President Trump’s New Iran Strategy, PRESS STATEMENT, MAY 8, 2019, https://www.state.gov/first-anniversary-of-president-trumps-new-iran-strategy/

[3] Anthony H. Cordesman with the Assistance of Nicholas Harrington Arleigh A. Burke, The Arab Gulf States and Iran: Military Spending, Modernization, and the Shifting Military Balance, Center for Strategic and International Studies, Washington, DC, Second Working Draft December 12, 2018, https://csis-prod.s3.amazonaws.com/s3fs-public/publication/181212_Iran_GCC_Balance.Report.pdf
[4] Anthony H. Cordesman with the Assistance of Nicholas Harrington Arleigh A. Burke, المرجع نفسه
[5] UANI, Gulf and GCC Related Destabilizing Activities, 2019, https://www.unitedagainstnucleariran.com/iran-and-gulf-cooperation-council
[6] UANI, Gulf and GCC Related Destabilizing Activities, 2019, مرجع سابق
[7] Anthony H. Cordesman with the Assistance of Nicholas Harrington Arleigh A. Burke, مرجع سابق

Print Friendly, PDF & Email