عزوف وتهديدات إرهابية…أهم المخاطر المحدقة بانتخابات تونس

تقرير يرصد زيادة توقعات التحديات الأمنية والاجتماعية للمسار الديمقراطي أحداث مهمة

9 سبتمبر، 2019


  • خطر الإرهاب في تونس تضاعف 4 مرات

  • توقعات بارتفاع مؤشر عدم الاستقرار السياسي

  • تسجيل انحرافات في الوعود الانتخابية للمرشحين للرئاسة

 

9 سبتمبر 2019

قسم أبحاث مركز (MenaCC)

ملخص التقرير :  أظهر رصد لتطور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في تونس زيادة احتمالات تسجيل ظاهرة العزوف عن الانتخابات بفعل زيادة حالة ضبابية التوجهات والبرامج السياسية لعدد كبير من المرشحين وتقارب حظوظ غالبيتهم شعبياً ومحدودية الاستعداد الذهني لاستيعاب الانتخابات المبكرة وتمييز المرشح الأنسب في ظل زيادة مؤشر عدم الثقة بالسياسيين وتردي الأوضاع المعيشية.

وتبين من خلال هذا الرصد الذي تضمن في تقرير توقعات المخاطر في العالم العربي لشهر سبتمبر الذي أعده مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) حول الانتخابات في تونس أن التنافس الانتخابي يسير في سياق ديمقراطي غير مسبوق عربياً لكنه يجرى في مناخ اجتماعي متوتر. كما أن حالة الاستقطاب السياسي المبطنة التي تدفع اليها حالة التشتت في نوايا التصويت قد تنتج حالة من الارباك في الشارع السياسي ما قد ترفع درجة المخاوف إزاء احتمالات زيادة استغلال جهات تخريبية للحراك السياسي من أجل القيام بعمليات عنف أو تطرف قد تصل الى درجة أعمال إرهابية لإفساد المسار الديمقراطي، وقد تطال هذه التهديدات مناطق داخلية وحدودية أو مرافق حيوية في البلاد بين شهري سبتمبر وأكتوبر فترة تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وعلى الرغم من يقظة أجهزة الأمن التونسية وتمديد حالة الطوارئ تبقى تهديدات الإرهاب جدية. كما أنه من المرجح زيادة مساعي التنظيمات أو الخلايا الإرهابية في الداخل أو المتسللة من الخارج خاصة من الحدود التونسية الليبية أو الجزائرية. وقد تأكدت جدية هذه المساعي مع حادثة تصفية إرهابيين بمنطقة حيدرة بمدينة القصرين بالمنطقة الحدودية التونسية الجزائرية التي تزامنت مع انطلاق الحملات الانتخابية بداية الشهر الجاري، ومثل هذه الحوادث قد تتكرر بأشكال وتكتيكات مختلفة قبل أو بعد موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وبذلك قد لا تكون حادثة حيدرة الارهابية آخر فعل إرهابي في تونس هذا العام.

وعلى صعيد متصل بالانتخابات، أوضح رصد للحملات الانتخابية الرئاسية التونسية تسجيل انحرافات في بعض الوعود الانتخابية لعدد من المرشحين. اذ أن أهم الشعارات المستخدمة في الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة والوعود التي يطلقها البعض لناخبيهم تفوق سقف صلاحيات الرئيس المحدودة التي سنّها الدستور. وحسب رصد أغب الحملات فان أغلب الشعارات المستخدمة تتمحور حول وعود التغيير الكامل وهو ما لا يتناسب مع صلاحيات الرئيس والتي تتركز بالأساس في حقيبتي الخارجية والدفاع، في المقابل تركزت أغلب حملات المرشحين على وعود بتحسين ظروف التونسيين المعيشية وتعزيز قيم دولة القانون والديمقراطية والأمن وتنفيذ أغلب هذه الوعود من صلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان.

ويمثل اسراف المرشحين في استخدام شعارات التغيير مغالطة للناخب وهو ما يدقع لزيادة حالة الضبابية في مسألة اختيار المرشح الأنسب والأقدر. وتجدر الإشارة أنه في ظل تحسن تدريجي لوعي الناخب بقدرات الرئيس وصلاحياته، فان هناك توقعات بتسجيل حالة من الإحباط من السقف المرتفع للشعارات الانتخابية، والتي قد تؤثر سلباً في نسبة الاقبال وترفع من درجة احتمال ظاهرة العزوف عن التصويت.

خطر الإرهاب في تونس تضاعف 4 مرات

يرجح أن قطاعات شعبية كثيرة في تونس لن تكون بالاستعداد الذهني الكافي للتصويت للمرشح الأنسب في ظل عدد كبير من المرشحين وتقارب حظوظهم دون تميز واضح لعدد منهم وتفتت شعبية عدد آخر خصوصا من الليبراليين واليساريين المعتدلين. وان كان وضع التنافس السياسي القائم في تونس ترجمة لحالة ديمقراطية متقدمة على بقية الدول العربية الا أن وعي شريحة واسعة من الناخبين التونسيين كما تظهر ذلك نوايا التصويت المرصودة على مواقع التواصل الاجتماعي غير ناضجة كفاية لاستيعاب المعايير المطلوبة لاختيار الرئيس الأنسب لقيادة المرحلة المقبلة من تاريخ تونس وهي مرحلة على الأرجح ستشهد تحديات ضخمة أبرزها تحمل تداعيات سياسات الحكومات السابقة وعلى رأسها تكلفة القروض الأجنبية وارتفاع البطالة وبطء وتيرة النمو. حيث يستمر معدل البطالة الرسمي في الارتفاع بحوالي 15٪ وهو أعلى بين النساء (أقل بقليل من 25٪) والشباب (حوالي 30٪)، وخاصة بين خريجي الجامعات الشباب الذين معدل البطالة لديهم هو ضعف المتوسط (32 ٪)[1]. ومع وجود جهود ووعود بتحفيز التنمية والتوظيف، فان السياق الاجتماعي والسياسي الصعب بما في ذلك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قد يعقد جهود الإصلاح[2].

وتجدر الإشارة الى أن حصيلة الحكومة التونسية الاقتصادية والتمويل الهزيل للتنمية وتوقع زيادة نسب التضخم والمديونية قد تربك الحكومات المستقبلة والتي قد تصطدم بزيادة المطالب الشعبية ما يجعلها تواجه احتمالات موجات غضب شعبي بنهاية العام الجاري خاصة مع التزامن مع فصل الشتاء حيث تنمو فيه مطالب الدعم الاجتماعي والانساني من الطبقات المعوزة بشكل خاص.

وقد يمثل تأخر تحقيق تطلعات الشعب عامل توتر قد يوفر أرضية خصبة لصحوة خلايا تخريبية قد تكون بعضها مندسة ومتطرفة هدفها ارباك الحكومة المقبلة. فعلى الرغم من تحسن مؤشر الأمن الذي أسهم في تعزز قطاعات اقتصادية أساسية انتعشت من خلالها إيرادات الدولة الا أن مؤشر خطر الإرهاب يبقى مرتفعاً حيث تضاعف منذ 2006 الى اليوم أكثر من أربع مرات من 0.92 الى 4.09 في 2019[3].

توقعات بارتفاع مؤشر عدم الاستقرار السياسي

من المرجح أن يظل مؤشر عدم الاستقرار السياسي عالياً إلى أن يتم انتخاب رئيس وبرلمان وتشكيل حكومة جديدة. كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة قد تدفع الشباب التونسي نحو التطرف، مما يزيد من خطر الهجمات الإرهابية. وان تعمل الحكومة المؤقتة في ابطاء وتيرة تنفيذ الإصلاحات المالية خوفًا من إثارة الاضطرابات العامة، الا انها ستمضي قدماً في بعض منها للوفاء بتعهداتها أمام صندوق النقد الدولي. وان كان متوقعا ان يرتفع النمو الاقتصادي في 2021-23، لكن البطالة ستبقى مرتفعة[4].

وعلى صعيد آخر، يبدو أن نتائج الانتخابات التونسية قد تكون غير محددة لحقيقة المزاج الانتخابي والميول السياسي للجزء الأكبر من الشعب التونسي. وقد تزيد مخاطر ارتدادات هذه النتائج في الوسط السياسي والشعبي بعد أن يستوعبها تدريجياَ جمهور الناخبين، حيث يرجح أن الوعي السياسي للمجتمع التونسي لن يقدر على استيعاب أبعاد وأهمية البرامج السياسية والانتخابية لمرشحين كثيرين في فترة وجيزة. وبذلك هناك مخاطر توجه بعض المرشحين الى الاستقطاب غير المباشر من اجل جذب أكبر عدد من المناصرين، وهو ما يدعو الى زيادة القلق حول ما ستفرزه نتائج الانتخابات الرئاسية.

وفي المحصلة لم تكن الطبقة السياسية التونسية مجزأة على الإطلاق كما هو الحال اليوم. لكن من المرجح أن تؤدي إعادة تشكيل المشهد السياسي إلى تعزيز مناخ عدم اليقين حول سياقات السياسات التونسية الداخلية والخارجية في المستقبل في ظل توقع عودة الاضطرابات الاجتماعية المتصاعدة التي تدعمها النقابات العمالية، بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل. هذا المشهد السياسي المجزأ بشكل متزايد يؤثر على مسارات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية[5].

 

 

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

 

[1] أنظر بيانات societe generale عن تونس، لعام 2019 https://import-export.societegenerale.fr/en/country/tunisia/economy-country-risk
[2]  أنظر بيانات البنك الدولي، 2019، حول واقع تونس والافاق المستقبلية، http://pubdocs.worldbank.org/en/474371554133860212/Tunisia-MEU-April-2019-ar.pdf
[3] أنظر قاعدة بيانات tradingecomomics، https://tradingeconomics.com/tunisia/external-debt
[4]أنظر تقرير مجلة The Economist ، https://country.eiu.com/tunisia
[5]أنظر تقرير مؤسسة كوفاس، لعام 2019، https://www.coface.com/Economic-Studies-and-Country-Risks/Tunisia

Print Friendly, PDF & Email