20 أكتوبر، 2019


20 أكتوبر 2019

قسم أبحاث مركز (MenaCC)

ملخص التقرير : يبدو أن المملكة العربية السعودية قد استبقت التغير التكتيكي غير المعلن لموازين القوى العالمية وانعكاساتها على المنطقة. فمع أفق 2021، اتفاقيات كثيرة بين دول خليجية وأمريكية قد تشهد تحديثاً خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والأمن نظراً لتغير أولويات واشنطن في آسيا والمنطقة.

فمع حلول 2025، لن تعود واشنطن مهتمة باستيراد الطاقة أكثر من تصديرها، وبالتالي تقلصت الحاجة الحيوية الأمريكية للخليج وهي “الطاقة”، وانعكس ذلك سلباً على انقلاب ميزان التبادل التجاري لصالح الولايات المتحدة بدل أن كان في الماضي القريب لصالح دول الخليج. ويزيد بشكل تصاعدي ملاحظة تقلص الواردات الأمريكية بشكل كبير من النفط الخليجي في وقت وجيز، علما أن تاريخ ميزان تجارة الخليجيين مع الأمريكيين ظل لأكثر من أربعة عقود يميل لصالح دول الخليج بفضل صادرات الطاقة.

وحسب تحليل قام به مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) فانه في مقابل تقلص مشتريات الولايات المتحدة من السلع الخليجية، زادت حاجة بعض دول مجلس التعاون الخليجي المعلنة لخدمات الأمن والتكنولوجيا والسلع الأمريكية في ظل تحقيق رؤى التنمية المختلفة، وهو ما ينذر بزيادة خلل ميزان المصالح بين دول الخليج وواشنطن. مسار يبدو أن دولاً مثل السعودية والامارات تسعى الى تعديله بهدف تحقيق المصالح الخليجية أولاً. وبات أمر توسيع نطاق الشراكات مع مختلف القوى العظمى أمر حيوي لا يعني بالضرورة تقليص أهمية الشراكة التفاضلية مع الولايات المتحدة.

ومع توجه بعض دول الخليج في ظل خططها المستقبلية، الى تحقيق الاستقلالية التامة والتعويل على الذات والاعتماد على المقدرات الوطنية في علاقاتها مع القوى العظمى خاصة الولايات المتحدة، يتضح تدريجياً خيار بعض دول الخليج في رفض مبدأ “التبعية المطلقة” للقوى العظمى كالولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن والاقتصاد. وبات يلوح في أفق السياسات الخليجية تحول تحت شعار “مصالح شعوب الخليج أولاً” ردا على سياسات “أمريكا أولا”.

من هذا المنطلق تكثفت مساعي دول خليجية كالسعودية والامارات نحو التعجيل في إحداث توازنات جديدة في التحالفات مع القوى العظمى على أساس جديد يهدف الى تكريس مبدأ التعامل بندية والاستفادة من هذه القوى من خلال الاستفادة المشتركة القائمة على تعزيز نقل استثمارات التكنولوجيات الحديثة الى منطقة الخليج ودعمها لتحولها الى قوى إقليمية عسكرياً واقتصادياً.

وفي ظل هذا الهدف المعلن من السعودية والامارات لتعزيز تموقعهم الإقليمي والدولي على مستوى التسلح والاقتصاد، لم يعد خيار التعاون التفاضلي الاستراتيجي مع الولايات المتحدة هو الخيار الوحيد، بل خيارات أخرى متاحة كالانفتاح على الصين، وأخيرا الانفتاح على روسيا بشكل أكبر من الماضي، وفي مرحلة مقبلة قد يكون الانفتاح أكبر على الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بتعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة وتحرير التجارة البينية.

وفي ظل رؤية تحول السعودية بشكل خاص الى قوة إقليمية متكاملة عسكرياً واقتصادياً، من المرجح أن تسعى بخطى أسرع في المدى القريب لتوسيع تحالفاتها الوثيقة مع مختلف القوى العظمى كما تظهره دراسة السياسات الخارجية السعودية في السنوات الأخيرة. اذ أن مسار سياسات المملكة يدل على أن الرياض ترغب أن تكون على مسافة متقاربة مع هذه القوى على أساس المصلحة المشتركة والاستفادة من اتفاقيات جديدة تدعم تحول المملكة الى القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة.

ويبدو أن هدف التحول الى القوة الأكبر في منطقة الشرق الأوسط تتنافس عليه بشدة دول كبرى في جوار المملكة كتركيا وإيران ومصر. وكل هذه الدول رسمت خططاً متوسطة وبعيدة المدى لتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة الصادرات مقابل تقليص وارداتها والاعتماد على الكفاءات الوطنية.

وهذا المسار بدأته بالفعل تركيا منذ 15 عاماً وهي تحاول إنجازه لكنها تصطدم بعوائق كثيرة لعل أبرزها تورطها عسكرياً ومالياً في مطامع سياسية في بعض دول الجوار والتي أقحمتها في صراعات مزمنة لعل أبرزها الصراع التركي الكردي المفتوح الذي لا يشجع على الانسجام الوطني.

وينسحب مثال المسار نفسه تقريباً على إيران التي بدورها تسعى لكسب منافسة تصدر القوى الإقليمية في المنطقة بامتلاك سلاح ردع لا تمتلكه القوى الأخرى. وهو أمر حيوي تصرّ عليه طهران، الا أن نقاط ضعفها الداخلية تكشف عيوب نظام قد يفشل في تحقيق الانسجام الداخلي والازدهار في ظل تفشي مظاهر الفساد وزيادة هيمنة سلطة العسكر على الحياة السياسية والاقتصادية.

أما الجمهورية المصرية، وهي دولة لديها ثقل جيوسياسي وجغرافي كبير في المنطقة، لكن رغم الخطط المستقبلية المعلنة لتطوير اقتصادها وتنمية مواردها وتعزيز نفوذها تبقى التحديات الاجتماعية من أهم عوائق التي تحد من سرعة تصدرها سباق القوى الإقليمية في المنطقة على المدى القريب والمتوسط.

لكن السعودية يبدو أنها في موقف أفضل من غيرها من القوى المنافسة خاصة مع اعلان خطة مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصاد وزيادة تقليص الاعتماد على النفط والتعويل على اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات، والمضي قدماً في تطوير الصناعات العسكرية المحلية توازياً مع تمشي الامارات العربية في هذا المسار. وبفضل توفر الملاءة المالية والرغبة السياسية في تطوير المملكة واقتصادها وقدراتها الحربية مع تعزيز التنمية البشرية، من المنتظر أن تتصدر السعودية ترتيب القوى الإقليمية بتوقعات زيادة نفوذها العسكري والاقتصادي والسياسي في المنطقة بفضل الإيرادات المتوقعة من نتائج مسار إعادة النظر في تعزيز تحالفات الرياض مع شركائها الإقليميين والدوليين وتقديم المصالح المشتركة على أي خلافات. وبذلك فان الانفتاح على روسيا سيفيد دول الخليج على رأسها السعودية في دعم التحول الكبير المنتظر في تموقع المملكة دولياً وإقليمياً.

فعلى الرغم من محدودية قيمة الاتفاقيات التي وقعت بين الرياض وموسكو خلال زيارة فلاديمير بوتين للملكة، الا أن الزيارة في حد ذاتها لديها أبعاد استراتيجية وسياسية وتوصف بالتاريخية التي ستمكن السعودية من موازنة علاقتها مع القوى الدولية المختلفة والتي تدعم نفوذ السعودية في ملفات كثيرة أبرزها الملف الإيراني والسوري واللبناني واليمني. ويكفي ترسيخ تفاهم روسي سعودي حول هذه الملفات ليمكن المملكة من تجاوز عقبات كثيرة يمكن للاتحاد الروسي أن يضعها في أي مفاوضات تدخلها السعودية خاصة في ملفات حيوية بالنسبة للمملكة وعلى راسها الملف الإيراني واليمني.

ونظرا لموقع روسيا في مجلس الأمن، فضلاً عن تداخلاتها وشراكاتها القوية التاريخية مع قوى تختلف مع المملكة كإيران وسورية وحزب الله وقوى مختلفة في المنطقة فان انسجام الرؤى السعودية الروسية حول بعض الملفات الحساسة من شأنه أن يمكن المملكة من كسب كثير من النقاط في التفاوض بفعل التأثير الروسي الحيوي والواضح على كل من إيران وسورية والقوى التابعة لها خاصة في اليمن.

ولا يبدو أن انفتاح السعودية على روسيا وتعميق علاقتها معها قد يزعج الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للرياض ولكن قد يجعل واشنطن تعيد حساباتها في العلاقة مع الرياض ليس على أساس حاجة واشنطن من الرياض فقط ولكن على أساس تقديم مبدأ المصلحة المشتركة للبلدين كدعامة لأي اتفاقيات مستقبلية.

وحسب تقديرات تحولات مسار السياسات السعودية الساعية لتحول ضخم للمملكة يفيد السعوديين ودول المنطقة، من المرجح أن يكون مقياس بقدر ما تستفيد المملكة من علاقاتها مع واشنطن، سيدرك صناع القرار الاميركيين أن هذا هو الشرط المقبول لأي علاقات تفاضلية بيد البلدين. كما أن إدراك توسع تحالفات الرياض الدولية سيزيد من اكتساب السعودية لاحترام دولي أكبر. وهو ما يسكون بمثابة تحول في صناعة السياسات الخارجية للمملكة المنفتحة على جل القوى العظمى دون تحفظ وعلى أساس المصلحة المشتركة واعلاء مصلحة “السعودية ثم الخليج ثم العرب أولاً”.

 

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

 

Print Friendly, PDF & Email