تراجع التأييد الشعبي للإخوان المسلمين والإسلام السياسي في المغرب العربي

بسبب ضعف الاداء وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي وزيادة الميول للشعبوية الوطنية أحداث مهمة

27 يناير، 2020


27 يناير 2020 

قسم أبحاث مركز (MenaCC)

ملخص التقرير :

يسجل مسار التأييد الشعبي لحركات الإسلام السياسي وفي مقدمتها الاخوان المسلمون في منطقة المغرب العربي تراجعاً ملموساً بسبب ضعف الأداء السياسي والاقتصادي للأحزاب الإسلامية المشاركة في الحكم على امتداد السنوات الأخيرة وعدم قدرة “براغماتية” هذه الحركات استيعاب المتغيرات السريعة لتطلعات فئة واسعة خاصة من الشباب المهمش والذي يتبنى خيارات شعبوية بدأت تأخذ موطأ قدم في الحياة السياسية المغاربية على حساب انكماش التموقع والدور السياسي للحركات الإسلامية.

ويعكس هذا التراجع تقلص القاعدة الشعبية المتعاطفة مع الأحزاب أو الشخصيات ذات الميول أو المرجعية الإسلامية. وقد رصدت إدارة الأبحاث في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) تقلص التعاطف الشعبي مع الحركات الإسلامية وفي مقدمتها الاخوان المسلمون من خلال دراسة مؤشرات نتائج آخر انتخابات تشريعية في كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا ودراسة الحراك السياسي في ليبيا، وأيضا من خلال دراسة مؤشرات مؤسسات استطلاع وسبر الآراء في دول المغرب العربي حول تغير نسب التعاطف على مواقع التواصل الاجتماعي مع توجهات وأفكار مختلف الأحزاب وفي مقدمتها الأحزاب الإسلامية ذات الصلة بالإخوان المسلمين أو بالأصوليين.

وقد رصد المركز ضمن تقريره البحثي زيادة التأييد الشعبي للشخصيات أو التيارات السياسية الشعبوية الوطنية (populisme) التي تحاكي أو تعكس واقع التغير الفكري لدى طبقة كبيرة من الناخبين أغلبها من الشباب العازف في جزء منه عن الأحزاب والشخصيات الحزبية في مقابل دعم شخصيات وتيارات منبثقة من هذه الطبقة التي باتت نسبة كبيرة منها خارج سيطرة آلة البروباغندا الحكومية والأدلجة الدينية وتنتقد بشكل خاص انحراف بعض تيارات الإسلام السياسي عن القيم الثورية الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية التي يطالب بها السواد الأعظم من الشعب.

ويعكس هذا التيار الذي رصد خاصة في تونس والجزائر تراجع الثقة في الأحزاب والشخصيات الحزبية أو الحكومية وأيضا الشخصيات أو الأحزاب ذات الصلة بالحركات الإسلامية السياسية والتي تقلدت وتبوئت مناصب أو كانت شريكاً في الحكم على غرار تونس والجزائر والمغرب.

وحسب رصد المركز باتت الحركات والتنظيمات التي لديها علاقة بفكر الاخوان المسلمين أو الإسلام السياسي لا تحظى بالشعبية نفسها التي كسبتها في عام 2011 زمن اجتياح الثورات الشعبية في المنطقة المغاربية والتي حازت حينها الحركات السياسية ذات المرجعية الإسلامية على أعلى شعبية لها على امتداد نصف القرن الأخير مقارنة بالتيارات السياسية الاخرى وحصدت خلال ذاك الوقت عدد من الأحزاب الإسلامية انتصارات انتخابية في تونس وليبيا والمغرب، ولعبت أدواراً رئيسة في الائتلافات السياسية في العقد الماضي كما في تونس والجزائر والمغرب وليبيا.

وقد زادت حدة المزاج الشعبي المنتقد والرافض لهيمنة التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية، خاصة في الفترة الأخيرة مع تسجيل رفض لقطاعات شعبية وقوى مدنية وسياسية في بعض دول المغرب العربي لتدخل تركي في المشهد السياسي المغاربي (تونس وليبيا خاصة) ومساندته أطرافاً محسوبة على الاخوان المسلمين.

وفي ظل تعثر أداء الحكومات التي تشارك أو شاركت فيها أحزاب ذات مرجعية دينية تسعى قوى سياسية ومدنية ديمقراطية وليبرالية ويسارية مغاربية لقطع الطريق أمام زيادة نفوذ الحركات الاسلامية في الحياة السياسية في المغرب العربي وخاصة الحركات المرتبطة بفكر الاخوان المسلمين.

لكن لا يبدو أن هناك توجهات لإقصاء حركات الإسلام السياسي برمتها أو حظرها من المغرب العربي بما فيها حركات الاخوان المسلمين نظرا لكون هذه الحركات لديها ليونة على التأقلم مع المتغيرات والعمل ضمن القواعد الديمقراطية، لكن ما يهدد وجودها في المستقبل القريب هي الشعبوية الوطنية الاخذة في الارتفاع على غرار ما تشهده بعض دول الشرق الأوسط كالعراق ولبنان، فضلا عن ذلك الانقسامات الداخلية بين مكونات هذه الحركات.

ومن بين أبرز الأخطاء التي وقعت فيها الحركات المتأثرة بفكر الاخوان المسلمين في المغرب العربي على امتداد العقد الأخير هي استغراق وقت طويل لمحاولة لتثبيت نفسها في المشهد السياسي أكثر من الاقدام على الإصلاح وتنفيذ رؤى تنموية على الأرض. ورغم تراجع شعبية الحركات الإسلامية السياسية، يحافظ الإسلاميون على تواجدهم القوي نسبياً وبشكل متفاوت في دول المغرب العربي مستفيدين من تشتت وتفكك الطبقة السياسية الديمقراطية واليسارية. وتبدو البيئة السياسية المغاربية عموماً متسامحة مع مختلف التيارات السياسية بما فيها الإسلامية لكن هناك تغير في الميول او التعاطف بات يتشكل ويتضح تدريجيا في المستقبل.

وقد تم رصد زيادة براغماتية الإسلاميين في العمل السياسية خاصة في المغرب بتحالفهم مع الشيوعيين لقيادة الحكومة، وكذلك الامر نفسه لحركة النهضة الإسلامية بقيادتهم لتحالف حاكم مع نداء تونس العلماني القائم أصلاً على نبذ الإسلاميين والدولة الدينية. لكن كلا التحالفين لم يحققا حسب تطلعات شعبية ما يصبو اليه السواد الأعظم من الشعب وهي تحسن الظروف المعيشية. الأمر نفسه تقريبا ينطبق على التجربة الليبية او الجزائرية في العقد الماضي.

وفي ظل حراك شبابي مستمر في المغرب العربي سواء في الشوارع او عبر الانتقاد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الهشة، وجدت بيئة الجديدة أثّرت على كل الأطراف السياسية وليس فقط على الإسلاميين. وبالتالي، يتعيّن تحليل سلوكيات الأحزاب الإسلامية على قاعدة أنها ردود فعل براغماتية على ظروف سياسية شكّلتها ديناميكيات محلية وإقليمية وداخلية إسلامية[1]. حيث ابتعدت شعارات الاحتجاج سواء في الميادين او في مواقع التواصل الاجتماعي على الأفكار الدينية او المتطرفة بل تركزت على الشعبوية. ويبدو ان حلم إقامة الدولة الإسلامية أصبح بالنسبة للشبان الغاضبين والمعبئين شعارات عفا عنها الزمن[2]، خاصة بعد أن أخمدت خسائر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية جاذبيته ومزّقت وشوهت صورته.

وفي وقت يشهد فيه التيار السياسي الاسلامي (وطنيًا وإقليميًا) مسارا متذبذبا، في ظل تزايد التيارات الشعوبية (عالميًا ومحليًا)، وتزايد مؤشرات السخط الشعبي من الأحزاب السياسية الراسخة بينها الإسلامية إلى جانب تراجع الثقة بالمؤسسات بشكل عام (وطنيًا وعالميًا)، تواجه بعض الأحزاب الإسلامية مصيران على الأرجح اما الانطوائية ويعني ان تشهد فترة من مراجعة الذات في ظل تغير المطالب والأفكار الشعبية، أو مصير سرعة التأقلم والتجديد والتسامح مع التغيير الجوهري الشعبي.

فشل حكومة النهضة مؤشر قوي على بوادر انكماشِ قوّة الإسلاميين في تونس

في تونس، عكس عدم نيل حركة النهضة الاسلامية أغلبية مريحة في الانتخابات التشريعية وفشل تكوينها لإتلاف حكومي واقعاً ملموساً لبوادر انكماشِ قوّة الإسلاميين في معركةِ تحصينِ الانتقال الديمقراطي. فقد عبرت شريحة واسعة من التونسيين في انتخابات أكتوبر 2019 على مسار شعبي واضح عازف عن الشخصيات الحزبية أو الإسلامية وسط استنكار البعض لمحاولات هيمنة الأحزاب الإسلامية ذات المرجية بالإخوان على السلطة.

وعلى الرغم من تقدم حزب حركة النهضة في الانتخابات التشريعية بأسبقية طفيفة، فشل في تمرير ائتلاف حكومي في ظل استنفار أحزاب تقدمية وديمقراطية ويسارية ضد هيمنة الأحزاب الإسلامية على قيادة البلاد. وكانت حركة النهضة تكبدت خسارة أكثر من نصف حجم خزانها الانتخابي رغم فوزها في الانتخابات التشريعية وهو ما يمثل تراجعا ملحوظ في عدد المصوتين لها والمتعاطفين معها في ظل تزايد انتقادها لعلاقاتها مع الخارج وخاصة مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وتركيا وقدمت مسائلة برلمانية لزعيم الحركة راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب التونسي الحالي حول هذه المزاعم على إثر زيارته لتركيا عقب سقوط الائتلاف الحاكم التي تقوده النهضة.

وقد بدأت ملاحظة تقلص تأثير حركة النهضة في الشأن التونسي أيضًا منذ الأزمة السياسية 2013 – 14 التي هزت البلاد[3]. وقد رصد المركز زيادة الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة “فايسبوك” المنتقدة لفكر الاخوان المسلمين والحصيلة الاقتصادية والاجتماعية الضعيفة لدور حركة النهضة في الحكم لسنوات. وهو ما دفع حركة النهضة لزيادة البحث عن تجديد خطابها من أجل الانسجام مع مطالب التغيير الشعبية والاتجاهات الشعبوية وغير الفئوية. كل هذه الضغوط المحلية والإقليمية والشعبوية تضع قيم الحزب الإسلامي المدني على المحك وقد تجعله مضطرا في مؤتمره المقبل لصياغة خارطة طريق جديدة في الحياة السياسية التونسية التي تعرف زيادة التوجه للشخصيات الثورية والشعبوية التي تنحدر من القاعدة الكبرى للشعب وليس من النخب البورجوازية او الفئوية او الدينية.

العدالة والتنمية المغربي يفقد بريقه

على الرغم من اكتساح الأحزاب الإسلامية في الانتخابات التشريعية 2016 والمتربطة بفكر الاخوان المسلمين وهي كل من حزب العدالة والتنمية وحزب العدل والاحسان، الا انه عقب تلك الانتخابات مباشرة سجلت المغرب مسيرة الدار البيضاء وهي مسيرة مثيرة للجدل ضد ما سمي بـ «الاخونة «، وقد جرت في 18 سبتمبر 2016 بمدينة الدار البيضاء، على الرغم من انه غير مرخص لها. ورفعت المسيرة آنذاك شعارات مناوئة لحزب العدالة والتنمية وضد أخونة الدولة[4]. كما تعزز دور الحزب الثاني في البرلمان ومنافس حزب الإسلاميين وهو حزب الاصالة والمعاصرة والذي يمثل ثانية كتلة برلمانية في المغرب وهو حزب آخذ في التمدد. في وقت تزايدت فيه الشعوبية في كل انحاء العالم، ينظر إلى حزب الأصالة والمعاصرة على أنه منقذ الملكية التنفيذية[5]. فحزب الأصالة والمعاصرة الذي انشاء بهدف مقاومة تمدد الإسلام السياسي في المغرب وان يواجه إشكاليات مختلفة الا ان هناك احتمالات في المستقبل القريب حسب نتائج أداء الحكومة والتطورات الإقليمية ان يتقدم في الانتخابات المقبلة في 2021 إذا تجاوز مشاكله الداخلية خاصة لما تشهده تونس والجزائر من تحولات في أدوار متراجعة للأحزاب الإسلامية في الحكم.

وبسبب ضعف بعض قيادات حزب العدالة والتنمية تأثّرت صورته شعبيا لدى شرائح واسعة من الرأي العام المغربي. وتجلى ذلك في النقد المتنامي للحزب ووزرائه ورئيسه الذي يرأس الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتركز الانتقاد للأداء الاقتصادي للائتلاف الحكومي. اذ انه على الرغم من المساعي السياسية المتنوعة، لا يزال النمو الاقتصادي المغربي هشاً وضعيفاً.[6]

على صعيد آخر بدأت تتبلور معالم ضعف شعبية حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي أكثر في اللقاءات الحزبية، حيث يتكرّر مشهد الكراسي الفارغة، في وقت كانت تلك اللقاءات لحظة لاستعراض قوة الحزب وجماهيريته، وجاءت مسيرة التضامن مع الشعب الفلسطيني التي دعا إليها الحزب قبل ثلاثة أسابيع لتعرّي مدى تآكل شعبيته في الشارع. لذلك يتطلع المراقبون في المغرب إلى معرفة ما إذا كان لتآكل مصداقية الحزب وشعبيته تأثير على أدائه في استحقاقات 2021[7].

وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية المغربي نجح في الاستمرار في قيادة الائتلاف الحكومي عبر قبوله قيود النظام الملكي[8] والتعاون مع أحزاب اخرى، الا ان بعض أعضاء الحزب، وخاصة الشباب، يخشون من هذا التعاون[9].

ولعل التأييد الشعبي الذي حصل عليه الإسلاميون في المغرب في انتخابات 2016 يعود لكاريزما الزعامة والتي أداها بشكل متميز عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي خاصة اثناء الاتصال المباشر والسلس مع الناخبين. فكان استخدامه للغة العامية واللغة الواضحة والقوية المرتبطة بالعديد من الناخبين الذين شعروا أنه مخاطب وممثل مباشرة من قبله. علاوة على ذلك، تبنى بنكيران نهجًا خطابيًا شعبويًا[10] خلال الحملة الانتخابية لعام 2016. وبذلك أنقذ الإسلاميين آنذاك المسار الشعبوي لقائدهم الملهم بن كيران. وهذا ما حاول فعله أيضا الغنوشي عندما نزل بنفسه في الانتخابات التشريعية وقام بمخاطبة مناصريه بخطابات شعبوية وحماسية وثورية. لكن دراسة نتائج أداء هذه الأحزاب على ارض الواقع ومدى تسامحهم مع القيم الديمقراطية هو على المحك. وفي ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات، يبدو حزب العدالة والتنمية المغربي مثله مثل حزب النهضة يسعيان في اتجاه المحافظة على قواعدهما الانتخابية وتعبئتها وتعزيز الانفتاح عل التعاون مع الاحزاب الأخرى لمنع مواجهة مصير الانطواء والاستمرار في المشاركة بقوة في الائتلافات الحاكمة.

لكن بقاء الاحزاب الإسلامية في المغرب يبدو مهما للحفاظ على اعتدال المسار الانتقال الديمقراطي في هذه البلدان. ومثلما وصف بعض الناقدين تراجع مؤيدي ومناصري حركة النهضة الاسلامية في تونس خاصة خلال الانتخابات التسريعية الأخيرة بالسقوط مما لم يعطيها اغلبية مريحة في البرلمان، يتوقع بعضهم ترقّب ذلك في المغرب في الانتخابات التشريعية المقبلة خاصة في ظل ما تعرفه دول أخرى كالعراق ولبنان من مظاهرات حاشدة ضد تدخل رجال الدين والإسلاميين في السياسة. لكن قد يكون مصير الأحزاب الإسلامية في المغرب مرتبطا أكثر بأدائهم الحكومي والقدرة على الانسجام مع القصر الملكي وتطلعات الشعب. ويتوقع بعض الكتاب المغاربة ان “ظاهرة التصويت الانتقامي أو التمرد الانتخابي على الطبقة السياسية التي عرفتها تونس تحتاج إلى الفهم والتفسير، وهي ظاهرة بدأت في المغرب في الانتخابات التشريعية الأخيرة وخدمت مصلحة حزب العدالة والتنمية، ومن الممكن أن تنقلب ضده في الانتخابات التشريعية المقبلة[11]”

الحراك الشبابي الجزائري يعاقب الأحزاب الإسلامية

خسرت الأحزاب الإسلامية الجزائرية وخاصة ذات الصلة بفكر الاخوان المسلمين جزءا من شعبيتها مع انطلاق الحراك الشبابي والمستمر والمطالب بالتغيير ومقاومة الفساد. ففي حين كان هناك قاعدة شعبية كبيرة تتمتع بها أحزاب مثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ والتي مكنتها من الأغلبية الساحقة في الانتخابات المحلية ثم البرلمانية بداية التسعينيات أو حركة المجتمع الإسلامي حديثا والتي شاركت في الحكومة لسنوات عديدة الى غاية خروج ذات الحزب من الائتلاف الرئاسي الذي دعم بوتفليقة لثلاث عهدات، يعاقب طيف واسع من الشباب الجزائري اليوم الأحزاب الإسلامية التي كانت دائما تتمتع بصيت جيد لدى الشباب، لكن الحراك الشعبي جعل منها نموذجا للبديل الفاشل[12].

ويرفض عدد كبير من الجزائريين ما يعتبرونه “اختطاف” مطالبهم من طرف بعض الأحزاب السياسية المحسوبة على المعارضة أو تلك التي تمثل تياراً معيناً كالتيار الإسلامي[13].كما تراجع تأثير السياسيين الإسلاميين في الجزائر، حيث أظهر المواطنون العاديون عداءهم لممثلي الإسلام السياسي المعتدل. فخلال الاحتجاجات الأخيرة، على سبيل المثال تم طرد رئيس جبهة العدالة والتنمية (FJD) من قبل المتظاهرين[14].
ومن اهم أسباب تراجع الأحزاب الإسلامية هو طغيان الخطاب الديني والأيديولوجي في خطاباتهم السياسية، وعدم تقديم حلول واقعية للمشاكل التي يعاني منها المجتمع الجزائري. كما بعثت حالة الانقسام والتشظي التي عانت منها الأحزاب الإسلامية خلال السنوات الأخيرة برسائل سلبية للجزائريين بشأن هذه الأحزاب، حيث انقسمت حرك مجتمع السلم إلى ثلاثة أحزاب هي (حركة مجتمع السلم، جبهة التغيير، وحركة البناء الوطني) كما تفتت حركة النهضة إلى عدة أحزاب[15].

وقد مُني التيار الإسلامي في الجزائر بهزيمة كبرى في آخر استحقاق انتخابي شهدته البلاد ما يعكس ويثبت وجود تراجع حاد في شعبية هذا التيار. وبالمقابل لم يتحصل التحالف الإسلامي المكوّن من ثلاث أحزاب هي (جبهة العدالة والتنمية وحركة النهضة وحركة البناء الوطني) سوى على رئاسة ثماني بلديات من مجموع 1541 بلدية، ولم يتحصل مرشحو هذه الأحزاب على عضوية أي مجلس ولائي من مجموع الــ 48 مجلس على مستوى ولايات (محافظات) الجزائر.

تضاءل تأثير الاخوان المسلمين في ليبيا 

في الوقت الذي تشهد فيه جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا تضاءل تأثيرها بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الأهلية في منتصف عام 2014، وفرت العملية السياسية للأمم المتحدة قنوات للنفوذ السياسي المستمر، وإن كان مخفضًا لهذه الجماعات[16]، المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، فضلا عن دعم تركي واقليمي.
فقرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدخل عسكريا في النزاع الليبي لا يثير فقط احتمال دخول الصراع مرحلة جديدة وأكثر خطورة، لكن يعد بتقديم دفعة كبيرة من الدعم للميليشيات الإسلامية التي تتنافس للسيطرة على البلاد وتشكيل حكومة في طرابلس تسيطر عليها عناصر الإخوان المسلمين[17]. وقد حصل الإخوان المسلمون في ليبيا على دعم واضح من القوى الإقليمية الراعية لهم، في عملية ممنهجة أزاحت كثيراً من واجهات المشهد السياسي الوطني في ليبيا، وهو ما أفرز في مراحل لاحقة انقساماً حاداً داخل العملية السياسية[18].

وقد أدى التداخل الفكري بين الحركات الإسلامية، إلى امتلاك الإخوان المسلمين دعماً سياسياً وعسكرياً من قبل الجماعات الإسلامية كافة، بسبب وجود متعاطفين معهم، أو أولئك الذين كانوا أعضاءً داخل الجماعة.[19] ويتركز العمل السياسي للإخوان المسلمين بشكل أساسي تحت مضلة حزب العدالة والبناء. حيث عقد مؤتمره التأسيسي في مارس 2012 في مدينة طرابلس وأطلق بوصفه حزباً ليبياً ذا مرجعية إسلامية. واستطاع حزب العدالة والبناء أنْ يحل ثانياً في انتخابات المؤتمر الوطني 2012، والانتخابات البرلمانية 2014، بعد تحالفه مع القوى الوطنية.
الا ان هذه التحالفات بدأت تضعف في ظل تراجع شعبية الطرح والرؤى والحول للحركات الإسلامية حول مستقبل ليبيا.

التأثير الرسمي والشعبي لإخوان موريتانيا في تراجع

تراجع التأثير الرسمي والشعبي للإخوان المسلمين في موريتانيا، حيث كان اول مؤشر على ذلك عدم ضم الحكومة الجديدة أعضاء في جماعات مثل حزب التواصل، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا[20]. اذ بسبب تصادم الإسلاميون بشكل مستمر مع السلطة وخاصة الاخوان المسلمون، أصبحوا صداعًا كبيرًا في رأس السياسة الموريتانية؛ حيث يمثل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارضة المتشددة في وجه النظام الذي يعتبره مشاركا في تغذية أزمات الشارع الموريتاني، ومن بين الأزمات التي افتعلها الحزب انسحاب أعضاؤه الممثلون في البرلمان من جلسة التصديق على النشيد الوطني الموريتاني إضافة إلى رفضهم التعديلات الدستورية التي جرت عام 2017، وترتب عليها إجراء الانتخابات النيابية والبلدية والجهوية[21].

في المحصلة، على الرغم من انكماش قدرتهم على التعبئة الشعبية في ظل نمو ظاهرة الشعبوية الوطنية اقليما ودوليا، لا يمكن توقع اقصاء الحركات الإسلامية ذات المرجعية الإسلامية والمتأثرة بأفكار تجربة الاخوان المسلمين، اذ باتت مكونا من النسيج السياسي المغاربي خاصة باستمرار تمسكها بالبراغماتية الوجودية وسياسة التأقلم والمرحلية.

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

 

[1]  خليل العناني، “الإخوان في الميزان الإقليمي”، صحيفة العربي الجديد، 10 آذار/مارس 2015، https://goo.gl/J3KnsA
[2] مارك لينش، آفاق مجهولة: الأحزاب الإسلامية ما بعد جماعة الإخوان، 16 كانون الأول/ديسمبر 2016، دراسة، مركز كارنيغي، https://carnegie-mec.org/2016/12/16/ar-pub-66511
[3] Lisa Watanabe, Islamist Actors: Libya and Tunisia, 18 Jul 2018, Center for Security Studies (CSS), https://css.ethz.ch/en/services/digital-library/articles/article.html/a9015e51-5197-4f68-af90-6a744cfccaf8/pdf

[4] مجموعة من المؤلفين، 20 فبراير ومآلات التحول الديمقراطي في المغرب، تحرير وتقديم مراد دياني، تمهيد جون واتربوري، سلسلة دراسات التحول الديمقراطي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018، https://books.google.tn/books?id=NhWLDwAAQBAJ&pg=PT668&lpg=PT668&dq

[5] A.KADIR YILDIRIM, and CONTRIBUTORS :Sarah J. Feuer,  Driss Maghraoui,  Beatriz Tomé-Alonso,  Amina Drhimeur, PJD, ISLAM, AND GOVERNANCE IN POST-2011 MOROCCO, Center for the Middle East, Rice University’s Baker Institute, 2018, https://www.bakerinstitute.org/media/files/files/8bb7ca6d/cme-pub-carnegie-morocco-060318.pdf
[6] Carly west, Morocco exhibits stable growth but faces ongoing challenges, globalriskinsights, Jan 2019, https://globalriskinsights.com/2019/01/morocco-stable-growth-challenges/
[7] علي أنوزلا، هواجس 2021 في المغرب…من مقاطعة اقتصادية إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة؟، مقال، قنطرة، https://ar.qantara.de/content/lmshhd-lsysy-lmgrby-hwjs-2021-fy-lmgrbmn-mqt-qtsdy-l-mqt-lntkhbt-lmqbl

[8] Avi Spiegel, “Succeeding by Surviving: Examining the Durability of Political Islam in Morocco,” Brookings Institution, August 2015, https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/07/Morocco_Spiegel-FINALE.pdf.
[9] A.KADIR YILDIRIM, and CONTRIBUTORS :Sarah J. Feuer,  Driss Maghraoui,  Beatriz Tomé-Alonso,  Amina Drhimeur, PJD, ISLAM, AND GOVERNANCE IN POST-2011 MOROCCO, Center for the Middle East, Rice University’s Baker Institute, 2018, https://www.bakerinstitute.org/media/files/files/8bb7ca6d/cme-pub-carnegie-morocco-060318.pdf
[10] A.KADIR YILDIRIM, and CONTRIBUTORS :Sarah J. Feuer,  Driss Maghraoui,  Beatriz Tomé-Alonso,  Amina Drhimeur, PJD, ISLAM, AND GOVERNANCE IN POST-2011 MOROCCO, Center for the Middle East, Rice University’s Baker Institute, 2018, https://www.bakerinstitute.org/media/files/files/8bb7ca6d/cme-pub-carnegie-morocco-060318.pdf
[11] عبد السلام الشامخ، كاتب، مقالة، هسبريس، سبتمبر 2019، https://www.hespress.com/politique/444527.html
[12] أنظر تقريرا نشر على قناة الحرة الامريكية، مايو 2019، https://www.alhurra.com/a/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%81%D9%84%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D8%B1/494574.html

[13] ايمان عويمر، حراك الجزائر “يُبعد” الأحزاب الإسلامية، مارس 2019، Independent عربية، مقال، https://www.independentarabia.com/node/13151/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%AD%D9%84%DB%8C%D9%84/%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%8A%D9%8F%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9

[14] DALIA GHANEM,The Shifting Foundations of Political Islam in Algeria, Carnegie, May 2019,

https://carnegie-mec.org/2019/05/03/shifting-foundations-of-political-islam-in-algeria-pub-79047
[15] أحمد مرواني، مستقبل الأحزاب الإسلامية في الجزائر، معهد واشنطن للسياسات، ابريل 2018، https://www.washingtoninstitute.org/ar/fikraforum/view/the-future-of-islamist-parties-in-algeria
[16] Lisa Watanabe, Islamist Actors: Libya and Tunisia, 18 Jul 2018, Center for Security Studies (CSS), https://css.ethz.ch/en/services/digital-library/articles/article.html/a9015e51-5197-4f68-af90-6a744cfccaf8/pdf

[17] Con Coughlin, Erdogan’s Bold Plan for a New Muslim Brotherhood Regime in Libya, January 23, 2020, gatestoneinstitute, https://www.gatestoneinstitute.org/15474/libya-erdogan-muslim-brotherhood
[18] محمد خالد الشاكر، حركات الإسلام السياسي في ليبيا؛ المرجعيات التاريخية لأسلمة الحراك الليبي، Mena-studies، يناير 2019،

دراسة تأصيلية، http://mena-studies.org/%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%9B-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AC
[19] محمد خالد الشاكر، حركات الإسلام السياسي في ليبيا؛ المرجعيات التاريخية لأسلمة الحراك الليبي،مصدر سابق

[20] Doaa Emam, Mauritania forms gov’t without Muslim Brotherhood, The references-Paris, august 2019, https://www.thereference-paris.com/6311
[21] محمود جمال عبد العال، أي مستقبل ينتظر الإخوان المسلمين في موريتانيا في مرحلة ما بعد الانتخابات؟، المركز العربي، الإثنين، 15أكتوبر، http://www.acrseg.org/40963

Print Friendly, PDF & Email