تراجع شعبية الحرس الثوري الإيراني الأكبر منذ قيام الثورة

بين خيارات رد الاعتبار أو مصير الانكسار أحداث مهمة

2 فبراير، 2020


2 فبراير  2020 

قسم أبحاث مركز (MenaCC)

ملخص التقرير :

 

  • خامنئي والحرس قد يفشل في توطيد شرعيته
  • هل تستثمر إيران في زيادة مشاعر كراهية الشعوب العربية لأمريكا وإسرائيل
  • الحرس مضطرا لخيارات رد جديدة لتفادي احتمال انقلاب داخل المؤسسة

 

الكويت، 2 فبراير 2020(MenaCC): تسجل شعبية الحرس الثوري الإيراني أكبر تراجع لها منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979 ومنذ الحرب العراقية الإيرانية. وانخفض مؤشر الثقة الشعبية لقوة الحرس الثوري داخل إيران بشكل غير مسبوق في أول اختبار مواجهة حقيقية بين إيران وخصمها التاريخي اللدود الولايات المتحدة الأمريكية عقب اغتيال الأخيرة لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الجنيرال قاسم سليماني.

وحسب رصد قام به مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) اعتمادا على تحليل قاعدة بيانات إحصائية للتغريدات والتعليقات التي تداولها الإيرانيون عقب اعلان ايران التوقف عن المطالبة بالانتقام بعد استهداف احدى القواعد الامريكية العسكرية بالعراق بالصواريخ التي اسقطت بالخطأ طائرة مدنية اكرانية قُتل جميع ركابها أغلبهم إيرانيون، وحسب دراسة أغلب المواقف والتصريحات التي تؤيد عودة الاحتجاج ضد النظام والحرس، وبالاعتماد على مراجعة وثائق مختلفة وموثوقة ودراسات تحليلية لدوافع عودة الاحتجاج الإيراني، فان نسبة الانتقاد الشعبي للحرس الثوري داخل ايران وخارجها زادت حدته كما لم يحدث منذ أربعين عاماً، حيث فاقت نسبة المنتقدين نسبة المؤيدين في انعكاس واضح لتراجع عدد المتعاطفين الإيرانيين مع الحرس الذي يمر بأزمة ثقة ومراجعة الذات وإعادة تقييم قدراته.

ويعيش الحرس الثوري حالة من الارتباك دفعت بعض رجالاته الى ارتكاب أخطاء جسيمة بداية من ردود فعل كارثية عند بدء عملية الانتقام لمقتل سليماني وذلك بإسقاط الطائرة الأوكرانية بالخطأ، ثانيا زيادة الشكوك بين رجالات الحرس حول احتمالات وجود عملاء بينهم يتعاونون مع الخارج ومتواطئين في تسريب معلومات استخباراتية والتي مكنت من معرفة موقع سليماني، ولعل اغتيال قائد محلي للحرس في مقاطعة خوزستان دليل على ذلك على الرغم من اتهام منظمة الأهواز بذلك، وهو ما قد يقود أيضا الى عدم استبعاد عملية إعادة ترتيب لقيادات الجيش وفيلق القدس في المدى القريب تحسباً لأي طارئ خاصة وأن البلاد تعيش تجدد الاحتجاجات وموجة انتقادات عارمة علنية ومبطنة للنظام والحرس الذي يشهد تراجع شعبيته بشكل مستمر وخارج سيطرته.

وقد مثل شكل وحصيلة تنفيذ طهران لانتقامها لقائد قوة فيلق القدس أكبر ضربة لمصداقية قيادات الحرس الثوري التي سارعت بشكل منفعل عقب الاغتيال الى رفع سقف التهديد والانتقام وصولاً الى تكبيد أمريكا خسائر بشرية كبيرة. الأمر الذي لم يحصل قط وانحصر الرد في ضربات صاروخية غير دقيقة اسقطت في طريقها طائرة مدنية، فيما لم تخلف الصواريخ التي استهدفت احدى القواعد الامريكية في العراق أي خسائر بشرية تذكر. ليعلن عقبها بيان من الحرس الثوري “توقف عملية الانتقام”. هذا التوقف قلب المزاج الشعبي الإيراني من متعاطف وملتحم مع الحرس والنظام في حرب مزعومة ضد أميركا لرد الاعتبار، الى مشكك ومنتقد لزيف قوة الحرس وضعف النظام وكذب قياداته وعدم صدق المرشد.

فشل الحرس الثوري في الاختبار الشعبي

بعد أن مثل اغتيال سليماني طوق النجاة للنظام الإيراني المترهل لمواجهة الانتقادات الداخلية، وكان بمثابة حدث تاريخي جمع الفرقاء وزاد التعاطف مع النظام، وكان رفع شعارات الانتقام باسم احياء الهوية الإيرانية بوابة للتصالح مع الشعب المنتفض والمحتج، أجج في المقابل شكل الانتقام له غير المدروس والانفعالي حفيظة الإيرانيين ودفعهم للغضب وفقدان الثقة في النظام والحرس الثوري. حيث مثل الانتقام موطن سخرية من قدرات إيران الحقيقية على المواجهة. وهو ما قلب مشاعر التعاطف الى مشاعر غضب واستهجان واحباط، دفعت الشارع الإيراني الى الاحتجاج مجددا وارتفعت مطالبه الى المجاهرة برحيل المرشد.

هذه الاحداث المتتالية تدرك خطورتها إيران التي بدت هيبتها على المحك، ولا تستطيع ان تسيطر على مستقبل حراك غاضب في العراق وفي إيران على الرغم من قمعه المستمر.

وتعي جيدا إيران ان لا مناص من انتقام يرضي الشعب الايراني الغاضب ويدفعه للثقة بالنظام وقواته المسلحة. اذ ظلت بروباغندا مواجهة أمريكا شعارات رفعها النظام منذ قيام الثورة الإيرانية الى اليوم لكن لم تطبق على الأرض هذه ولم يختبر الشعب الإيراني قدرة حرسه الثوري على مواجه القوى العظمى على غرار أمريكا وحلفائها. فان النظام في اول اختبار حقيقي للقوة، فشل في اظهار قدرته على الردع والمواجهة او الانتقام المشرف.

تزايد مشاعر عدم ثقة الإيرانيين في الحرس والنظام

مثلما صدم اغتيال سليماني الشعب الإيراني ودفعه الى التوقف عن الاحتجاج ضد النظام والتضامن معه من أجل تكوين جبهة موحدة مستعدة لدعم الحرس في انتقامه[1] وتحمل عواقب ذلك، صدم قرار توقف المطالبة بالانتقام[2] جزء كبيرا من الشعب الإيراني وشعوب وأنظمة المنطقة بعد الاكتفاء بضربات صاروخية بدون نتيجة تذكر. ومثلت نتيجة تضارب مواقف قيادات النظام والحرس سببا لإحياء مشاعر الإحباط والغضب والعودة الى الاحتجاج ورفع شعارات بلغ سقفها هذه المرة الدعوة الى رحيل قادة النظام والحرس.

ويعلم النظام الإيراني أن الرد العسكري لم يرتقي للانتظارات الشعبية، وهو يدرك جيدا المفارقة بين ما وعد به الشعب وما تحقق فعلاً. لذلك قد يلجأ الى خيارات ردود استراتيجية للانتقام، لكن تعتمد على عنصر المفاجأة وعامل الوقت. الا أن عامل الوقت ليس في صالح الحرس حيث تعمل واشنطن من الطرف الآخر لتغذية دوافع الاحتجاجات الشعبية ودعم المعارضة واستغلال فرصة تراجع شعبية النظام والحرس.

ويبدو أن الولايات المتحدة لم تستهدف قتل أهم قيادات الحرس الثوري لأجل أهمية الشخص في حد ذاته بقدر ما هدفت لزعزعة صورة القوة التي يمثلها الحرس في الداخل الإيراني وفي الإقليم من أجل التمرد عليه. حيث سعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى القضاء على فزاعة الرعب التي كان يمثلها الحرس الثوري خاصة في المنطقة من خلال زيادة أذرعه ووكلائه العسكريين في عدد من الدول وخاصة العراق[3].

وباغتيال ثاني أهم قيادات الحرس، تزايدت مؤشرات اهتزاز الثقة بين قيادات الحرس أنفسهم لكونهم باتوا مستهدفين أيضاً. ومن أجل تدارك ذلك، تعمل القيادة الإيرانية على إيجاد حلول سريعة لإعادة كسب الثقة فضلاً عن معالجة خلافات بدت تظهر في مؤسسات النظام في ظل الاحتجاجات المستمرة والتي تغذيها الضغوط الأمريكية. اذ مثل إسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ على وجه الخطأ أكبر دليل على ضعف المؤسسة العسكرية في تمييز أعدائها وهو ما يجعلها اليوم تسعى لاستعادة الوحدة بين عناصرها وأيضا بين مكونات الشعب وسط إدراك أن الخلافات يمكن أن تعرض النظام للخطر[4]. وبدت تزداد مشاعر عدم الثقة بين الإيرانيين في النظام ووعوده، وهو ما يدفعهم الى الاحتجاج في أكثر من مدينة[5] ولأسباب مختلفة.

 خيارات الحرس لرد اعتباره شعبيا وفي المنطقة

في حين أنفق النظام الإيراني خلال العشر السنوات الأخيرة نحو 50 مليار دولار (قيمة تقديرية باحتساب متوسط 4.8 مليار دولار[6] سنويا منذ 2010) على تعزيز وتطوير إمكانيات وقدرات الحرس العسكرية والمالية وبناء امبراطورية محصنة وصنع بروباغندا القوة الإقليمية التي لا تقهر، تتكبد اليوم ايران خسارة استراتيجية كبيرة على مستوى زيادة التشكيك الشعبي والإقليمي والدولي في حقيقة قوتها، وأيضا على مستوى تسجيل مؤشرات تؤكد تراجع هيبتها وشوكتها إقليميا ودولياً بعد أن اغتالت واشنطن وأمام العالم أهم قياداتها العسكرية، فيما كان شكل الانتقام لما وصفته ايران بالجريمة الكبرى مخيباً لآمال الإيرانيين وشعوب وأنظمة المنطقة، ما جعل النظام يعيش فترات انكسار ومراجعة الذات ودراسة تكتيكات جديدة لإعادة بناء جسور الثقة المهزوزة حالياً مع الشعب الإيراني والبحث في خيارات جديدة لإعادة رد الاعتبار في المنطقة.

وقد يكون الحرس مضطرا لخيارات رد اعتبار مستقبلية لتفادي سيناريوهات كثيرة لعل أسوئها احتمال انقلاب داخل المؤسسة. وما يزال النظام الايراني تحدت صدمة اغتيال سليماني، ولا يزال من السابق لأوانه الحكم على تأثير هذا الاغتيال داخلياً أوخارج إيران. اذ تأتي وفاة سليماني في وقت تتعرض فيه الجمهورية الإسلامية لضغط شعبي هائل في الداخل وفي المنطقة. ويواجه فيه الحرس إعادة تقييم ذاتي للاستجابة لتحديات مستقبلية تفرض عليه استعادة شعبيته المهتزة.

كما يسعى الحرس الثوري لاقتناص فرصة لضخ بعض الشرعية الشعبية مرة أخرى إلى نظام لا يتمتع بشعبية كبيرة. لكن إسقاط الحرس للطائرة المدنية الاوكرانية في 8 يناير والاحتجاجات التي أعقبت ذلك جعل تنفيذ مشروع “القومية” لخامنئي أكثر صعوبة. فلم تكن الاكذوبة الأولى للنظام حول ما حدث للرحلة الأوكرانية وخرج موقفه محرجاً بشكل كبير، بل مثل هذا الحدث عامل تعبئة أكبر لغالبية الإيرانيين في المعارضة. في حين أن الشقوق الداخلية بدت موجودة في صفوف الحرس الثوري الإيراني، على الرغم من تمكن قوة النخبة حتى الآن من تجنب الفوضى التنظيمية في ردها على المعارضة والضغط الأمريكي[7].

وبذلك قد تكون قيادات الحرس مرغمة الى دراسة خيارات رد الاعتبار مستفيدة من ظروف إقليمية مشحونة بمشاعر كراهية شعبية متصاعدة للولايات المتحدة وإسرائيل بعد اعلان كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تفاصيل صفقة القرن بمعية رئيس الوزراء الاسرائيلي بن يامين نتانياهو. وكانت رسالة واضحة لكسر محور المقاومة التي كانت تتبناه إيران وتروج للعالم انها اخر حامية له في المنطقة.

 

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

[1] Despite Iranian demonstrators chanting ‘Death to America,’ Qassem Soleimani was a polarizing figure in Iran, Marketwatch, Jan 5, 2020, https://www.marketwatch.com/story/international-face-of-resistance-two-big-reasons-why-qassem-soleimani-was-revered-by-the-iranian-people-2020-01-03

[2] IRGC general claims Iran did not target troops in attack, Al-Monitor Staff January 9, 2020, https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/01/iran-irgc-general-iran-target-us-troops-iraq.html#ixzz6CmLft2Fd

[3] Michael Knights, Iran’s Expanding, Militia Army in Iraq, CTC, USMA, OBJECTIVE · RELEVANT · RIGOROUS | JUNE/JULY 2018 · VOLUME 11, ISSUE 6,https://ctc.usma.edu/app/uploads/2019/08/CTC-SENTINEL-072019.pdf

[4] Sune Engel Rasmussen, Iran’s Leadership Works to Heal Rifts Opened Amid Protests, U.S. Pressure, Wall Street Journal, 27 Jan 2020, https://www.wsj.com/articles/irans-leadership-works-to-heal-rifts-opened-amid-protests-u-s-pressure-11580147204

[5] Mansoureh Galestan,  Iran Protests Take Place in Various Iranian Cities, National Council of Resistance of Iran, 01 February 2020, https://www.ncr-iran.org/en/news/iran-protests/27320-protests-take-place-in-various-iranian-cities

[6] Ali Alfoneh, Eternal Rivals? The Artesh and the IRGC, November 15, 2011, MEI, https://www.mei.edu/publications/eternal-rivals-artesh-and-irgc

[7] Alex Vatanka,Trump and Iran’s Revolutionary Guards after Qassem Soleimani, Middle East Institute, January 31, 2020, https://www.mei.edu/publications/trump-and-irans-revolutionary-guards-after-qassem-soleimani

 

Print Friendly, PDF & Email