تراجع مدوي لقوة إيران: الأضعف منذ 40 عاماً

وباء كورونا يحبط طموحات طهران التوسعية أحداث مهمة

3 يوليو، 2020


 

–         إيران تخسر نصف قوتها…وتواجه تحديات الأضخم منذ 100 عام

–         عدم قدرة الحكومة على تسييس الوباء من أجل كسب تعاطف داخلي واقليمي

 

 

ادارة أبحاث مركز MenaCC

 3 يوليو 2020

ملخض التقرير:

خسرت إيران نحو نصف إيراداتها من النفط والسياحة والتجارة والصناعات غير النفطية والخدمات. وتراجعت إيرادات صادرات إيران خاصة من النفط بنحو أكثر من 80 في المئة بسبب العقوبات الأمريكية وتداعيات جائحة كورونا التي أضرت بالمصالح الإيرانية في العمق كما لم تفعل ذلك الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات. وأحدثت اختلالات قد تظهر في الأمد القريب وتنعكس على استقرار النظام الإيراني.

وفي ظل تراجع الايرادات تواجه إيران نفاذ احتياطاتها المالية وتآكل ثرواتها السيادية على المدى المتوسط وقد يتسارع ذلك إذا زادت عزلة النظام إقليميا ودوليا واستمرت سياساته العدوانية.

وحسب تقرير بحثي لمركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) بعنوان ” آثار تداعيات جائحة كورونا والعقوبات الأمريكية على ميزان القوة في إيران”، اتضح جليا من خلال مؤشرات مختلفة صعوبات تعافي إيران من مخلفات وباء كورونا وأثر العقوبات الأمريكية على المدى القريب. وقد يمتد تعافي الوضع الاقتصادي والاجتماعي الإيراني سنوات طويلة ما لم يحدث انفجار اجتماعي تحذر منه الحكومة الإيرانية نفسها جراء قفزة متوقعة لمعدلات البطالة والفقر التي تدفع اليها اجراءات تقشف استثنائية ستكون مكلفة جدا على التنمية المحلية والبشرية في المدى القريب.

ومن المتوقع أن يزيد اهتمام إيران بتوفير موارد ضرورية لإنقاذ البلاد من الدخول في كساد قد يقود الى فوضى اجتماعية، ومن المحتمل ان يكون ذلك على حساب انكماش الانفاق على مخططات توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة. ومن غير المستبعد أن تتأثر أنشطة البحث والتطوير العسكري وهو ما قد يقلص بشكل طفيف حجم الإنتاج الحربي الإيراني. الا أن أهم الأنشطة التي قد يطالها التقشف فهي المنح وخطوط الدعم المقدمة لأصدقاء إيران في المنطقة وأبرزها والحركات والميليشيات المساندة لها. وقد يتوقف التمويل مؤقتاً في ظل أزمة مالية قد تستنزف احتياطات النظام الإيراني بما في ذلك أصول صناديق ثروته السيادية لحين أن تتضح مسارات أسعار النفط والمفاوضات الإيرانية مع دول الغرب بشأن تخفيف العقوبات الاقتصادية والملف النووي وتحرير التجارة.

وعلى صعيد متصل، تبقى النظرة مقلقة حول احتمالات مفاجئة تقضي بإمكانية ضغط الأزمات المحلية على سياسات النظام لتصبح أكثر تهورا كان تحاول نقل الصراع الداخلي الى دول الجوار عبر افتعال الأزمات.

إيران تتعرض لكارثة لم تعترضها منذ 100 عام

أربك وباء كورونا توازنات القوة في إيران ليهوي بمؤشرات كثيرة فيها الى الواقع المتأزم في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات حين اندلعت الثورة الايرانية. اذ كشفت جائحة فيروس (covid 19) المستشري في البلاد والتي أودت بأكثر من 11 ألف قتيل على الأقل كإحصاء رسمي غير دقيق، عن مواطن ضعف كثيرة في النظام الإيراني وتوازناته المالية، والتي من المتوقع أن تؤثر سلباً وبشكل منقطع النظير على الاستقرار الداخلي السياسي والاجتماعي خاصة بعد تعرض البلاد الى أكبر كارثة صحية وإنسانية منذ 1918 والتي من المرجح أيضاً -في ظل تذبذب أسعار النفط وهو شريان اقتصاد ايران- أن تؤدي الى ظاهرة كساد قد تتسبب في عشرات الالاف من العاطلين عن العمل ناهيك عن زيادة عزلة البلاد وتقلص تدفق الاستثمارات. وسجل قطاع الطاقة والسياحة والتجارة في إيران أكبر ضرر منذ 40 عاماً سيدفع البلاد الى اجراءات تقشف غير مسبوقة قد تؤدي الى زيادة الاحتقان الشعبي الداخلي وسخطه على النظام المرتبك في إدارة تداعيات الجائحة المستمرة في الانتشار والمخلفة لشبه انهيار في البنية التحتية الصحية والاقتصادية. وقد يعمق الوباء بشكل ضخم مديونية إيران الداخلية والخارجية، ما قدي يدفع الى تقليص الحكومة اضطرارياً المنح والمساعدات الاجتماعية للمواطنين فضلاً عن محدودية التوظيف في القطاع العام، ناهيك عن شبح انهيار لمؤسسات كثيرة في القطاع الخاص تضررت بإجراءات الاغلاق للحد من انتشار الفيروس دون جدوى. حيث تراجعت صادرات السلع التجارية الأخرى بواقع نحو 50 في المئة تقريباً[1].

ومن المرجح أن ينعكس تراجع الإيرادات الإيرانية على الانفاق على سياستها الخارجية وخاصة المرتبطة بتعزيز مجال النفوذ في اقليمها وفي الدول الحليفة، حيث قد يتقلص بشكل كبير الانفاق على بعض الجهات والميليشيات التابعة لها، كما قد تفقد جزء كبيرا من تمويلات خطة توسع نفوذها الإقليمي بعد بروز أولويات حيوية مالم يتم الاستجابة فقد يواجه النظام شبح الانهيار.

ومع انتشار جائحة فيروس كورونا الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية وتوقف العديد من الشركات بل وانهيارها، بالنسبة لإيران، التي عانت من العقوبات الأمريكية، فإن المشاكل الاقتصادية تتعمق أكثر.

وعلى الرغم من فتح إيران بحذر جزء من اقتصادها، الا أن مخاطر تداعيات الانعكاسات السلبية أكبر بكثير من محاولة استيعابها بقرارات التخفيف. وعلى الرغم من إعادة فتح بعض الشركات وموافقة البرلمان الإيراني على إجراء لتغيير عملته من الريال إلى التومان للحد من التضخم المتزايد لم يمنع ذلك من شعور العديد من الإيرانيين بالاختناق بسبب تفاقم التحديات في الدولة الأكثر تضررا في الشرق الأوسط بالوباء. ويحذر الخبراء من أن إيران ربما تكون ظروفها الاقتصادية أصعب منذ فترة الحرب التي خاضتها مع العراق، ويعود ذلك الى الشلل الكبير في أنشطتها الاقتصادية والتجارية بسبب التحديات المريرة لانتشار فيروس كورونا التي أثرت على دخل وحياة الملايين من الإيرانيين فضلاً عن العقوبات الأمريكية التي فرضت قبل عامين، وكل هذه المتغيرات تمثل عوامل اختبار لقدرة الحكومة الإيرانية على التكيف معها[2].

أزمة اجتماعية على وشك الانفجار

يبدو أن إيران متجهة لفقدان السيطرة على إدارة تداعيات الوباء غير المتوقعة على الاقتصاد والمجتمع والتي بلغت الأزمة التي خلفتها الى أعمق أزمة منذ قرن تواجهها إيران. وقد حذر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي من أن المشاكل الاقتصادية في البلاد يمكن أن تتفاقم إذا انتشر فيروس كورونا دون رادع[3]. وبسبب زيادة معدلات الفقر والبطالة والتضخم قد لا يتحمل الشعب الإيراني مزيداً من الضرائب التي تعتبرها الحكومة الإيرانية بديلا عن تراجع إيرادات النفط. حيث من المرجح أن تقفز نسبة البطالة الى نحو أكثر 15 في المئة[4] مقارنة بنحو 11 في المئة في 2019[5]

وتكافح إيران دون جدوى من أجل كبح تفشي COVID-19 منذ فبراير الماضي. ويبدو أن النظام الإيراني فشل في “أدلجة” إدارة تداعيات الوباء والتخفيف من أثرها وايهام الإيرانيين بقدرة النظام على تجاوزها.  يضاف الى ذلك عدم قدرة الحكومة على تسييس الوباء من أجل كسب تعاطف داخلي واقليمي، خيار سرعان ما تخلّت عنه في مقابل البحث عن حلول بجيلة عاجلة لنقص موارد التمويل التي هوت بسبب انخفاض أسعار النفط. وبدل البحث عن خيارات براغماتية مصلحية، استمر النظام الايراني على نهج سياسته الخارجية التصادمية غير معترف بحقيقة أزمة عميقة غير مسبوقة. هذه السياسية التي زادت من عزلته، الا أن العزلة التي تسببت بها جائحة كورونا أكبر بكثير، حيث أن جزءا كبير من النسيج الاقتصادي الإيراني المتأزم أصلاً يواجه خيارات الانهيار بسبب تراجع الصادرات والنشاط التجاري، ما قد ينجم عن ذلك حملة تسريح كبيرة للموظفين وهو ما قد ينتج حراكاً اجتماعياً غاضبا من تردي الأوضاع ومطالباً خاصة بالتوظيف وتحسين القدرة المعيشية والاصلاح.

وتتجه شريحة الفقراء في إيران الى الزيادة السريعة على الأرجح بسبب تقلص موارد الدخل. وتعاني إيران أصلا من تفاقم مؤشرات عدم المساواة في الدخل بين الافراد[6]. وهو ما قد ينذر بانفجار أزمة اجتماعية. ويعاني نحو خمس الشعب الإيراني من الفقر المدقع[7] مع تحديات اتساع رقعة الفقراء بشكل أكبر في الأمد القريب وهو ما يعقد خطط الإنقاذ الإيرانية لتجاوز الأزمة.

صعوبات التعافي

تواجه صادرات النفط الإيرانية مستقبلًا صعوبات التعافي بعد الإصابة بفيروس كورونا. وحتى قبل اندلاع الجائحة، كانت صادرات النفط الإيرانية في انخفاض نتيجة العقوبات الأمريكية. ومن المرجح أن يستمر العرض العالمي المفرط للنفط وسط انخفاض حاد في طلب المستهلكين بسبب الفيروس وآثاره الاقتصادية، في خفض الصادرات الإيرانية لأشهر مقبلة وخاصة نحو كبار شركاء إيران التجاريين وهما الهند والصين كبار مستهلكي الطاقة في العالم[8]. وتكافح بدورها الهند بشكل خاص في الحد من انتشار الفيروس وتخفيف اثاره الاقتصادية التي باتت تتسع بزيادة اتساع رقعة العدوى وقرارات الاغلاق وأثرت على حجم ورادتها النفطية المنخفضة من دول نفطية كثيرة أبرزها إيران.

ومن المرجح أن يتقلص نمو الاقتصاد الإيراني بنحو أكثر من (6 في المئة سلبي)[9] هذا العام بسبب تأثيرات جائحة كورونا. وعلى ضوء توقعات صندوق النقد الدولي حول الركود العالمي الأشد خلال القرن المنصرم، انخفضت عائدات النفط الإيراني قبل جولة العقوبات الجديدة من 60 مليار دولار سنويًا إلى ملياري دولار فقط هذا العام. وفي تصريحات سابقة، اعترف وزير الاقتصاد الإيراني ديز باساند، في وصفه للوضع الاقتصادي الحالي لإيران بأنه “ليس لإيران عائدات من النفط هذا العام!” و”حتى لو ارتفع سعره وعادت صادراته إلى ما كانت عليه، لا تزال الأموال لا تصل إلينا بسبب العقوبات”.

ويشار الى أنه يتم توفير 40 في المئة من ميزانية الحكومة مباشرة من عائدات النفط. ولحل المشكلة ترى إدارة روحاني طريقتين للخروج منها من خلال سوق الأسهم والضرائب، حيث تنبأت الحكومة الايرانية بإيرادات بقيمة 18 مليار دولار من الضرائب في عام 2020 والتي سترتفع بنسبة 26 في المئة مقارنة بالعام السابق[10].

ويبدو أن إيران ستواجه صعوبات في الاستدانة من سوق السندات الدولية نتيجة زيادة الضغوط على التداين وعدم استقرار الوضع الداخلي الايراني وضبابية مناخ الاقتصاد على المدى القريب، وهو ما يؤثر سلباً على ثقة المستثمرين في مستقبل الاقتصاد الايراني.

تآكل احتياطات إيران المالية

بدأ صندوق التنمية الوطنية الإيراني (NDFI)يتآكل بفعل توقع تكرر عمليات السحب الاضطراري من أصوله من أجل مواجهة تداعيات أزمة كورونا المتفاقمة والمستمرة في إيران. وبعد تقلصه الى ما دون 90 مليار دولار بعد موافقة المرشد الإيراني على سحب مليار يورو[11]، من المتوقع أن يضطر النظام لزيادة السحب الى غاية 5 مليارات دولار على المدى القريب لتمويل خطط انقاذ عاجلة للاقتصاد وتمويل المطالب الاجتماعية. وهذا اللجوء الاضطراري للاحتياطات تدفع اليه مخاوف من عدم إمكانية إيران الحصول على قرض من مؤسسات مالية دولية على غرار صندوق النقد الدولي بسبب العقوبات الأمريكية[12].

وتتكون ايرادات صندوق التنمية الوطنية الإيراني (NDFI)وهو الصندوق السيادي البارز من اقتطاع 20 في المئة على الأقل من إيرادات بيع النفط والغاز، وتزيد نسبة الاقتطاع بنحو 3 في المئة سنويًا على أن يوافق البرلمان على أي تغييرات في تلك النسبة[13]. وسجل كذلك حجم أصول صندوق استقرار النفط الإيراني هو صندوق ثروة سيادي تراجعا الى نحو 24 مليون دولار[14].

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

 

الهوامش:

 

[1] أنظر تصريحات رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة في طهران السيد مسعود الخنصاري حول تراجع الصادرات غير النفطية بنسبة 47.7 في المائة في الشهرين الأولين من العام الحالي وسط تحذيرات من تعديل السياسات التجارية، https://irannewsdaily.com/2020/06/non-oil-exports-decline-by-47-7/
[2] CGTN, COVID-19 Global Roundup: Coronavirus is deepening Iran’s economic woes, 12-May-2020, https://news.cgtn.com/news/2020-05-12/COVID-19-Global-Roundup-Coronavirus-is-deepening-Iran-s-economic-woes-QqLSLlDZ4s/index.html

[3] AFP, Iran’s Khamenei Warns Of Worsening Economy If Coronavirus Remains Unchecked, 27 june 2020, https://www.rferl.org/a/iran-s-khamenei-warns-of-worsening-economy-if-coronavirus-remains-unchecked/30693815.html
[4] تقديرات المركز بناء على رصد تداعيات طول فترة اغلاق الاقتصاد الإيراني واحصاء حجم تضرره وتوقف جزء كبير من الشركات على اثر ذلك، توقف تسبب في زيادة نسبة العاطلين عن العمل.
[5] Islamic Republic of Iran, The Iranian authorities have adopted a comprehensive strategy encompassing the market-based reforms reflected in the government’s 20-year vision and its sixth development plan for the full five-year period from 2016/17 to 2021/22, World Bank, https://www.worldbank.org/en/country/iran/overview
[6] Farzanegan, Mohammad Reza & Habibpour, Mohammad Mahdi, 2017. “Resource rents distribution, income inequality and poverty in Iran,” Energy Economics, Elsevier, vol. 66(C), pages 35-42.
[7] Arvin Khoshnood, THE ISLAMIC REPUBLIC AT 40 Poverty in Iran: A Critical Analysis, 25 March 2019, https://doi.org/10.1111/mepo.12400
[8] Omid Shokri Kalehsar, Iran oil exports face a tough future even after the coronavirus, atlanticcouncil,  june 2020, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/iran-oil-exports-face-a-tough-future-even-after-the-coronavirus/#:~:text=Even%20before%20the%20coronavirus%20pandemic,exports%20for%20months%20to%20come.
[9] أنظر قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي، https://www.imf.org/external/datamapper/NGDP_RPCH@WEO/IRN?year=2017
[10] Hassan Mahmoudi, The post-pandemic Iran’s economy, moderndiplomacy,  June 16, 2020,[11] swfinstitute, Iran Supreme Leader Gives Nod on 1 Billion Euro Withdrawal from NDFI for Coronavirus Impact, 04/06/2020, https://www.swfinstitute.org/news/78692/iran-supreme-leader-gives-nod-on-1-billion-euro-withdrawal-from-ndfi-for-coronavirus-impact
[12] Ian Talley, Washington and Benoit Faucon in London, U.S. to Block Iran’s Request to IMF for $5 Billion Loan to Fight Coronavirus, wall street Journal, April 7, 2020, https://www.wsj.com/articles/u-s-to-block-irans-request-to-imf-for-5-billion-loan-to-fight-coronavirus-11586301732
[13] Iran – National Development Fund of Iran (NDFI), file:///C:/Users/IMED/Downloads/Iran%20NDIF.pdf
[14] Oil Stabilization Fund of Iran: Sovereign Wealth Fund in Iran, Middle East, swfinstitute, Update, june 2020, https://www.swfinstitute.org/profile/5a54190420db637d351a6713

Print Friendly, PDF & Email