اسلاميو تونس في مرحلة الاختبار الأصعب: فكر الجماعة والزعيم والتجديد في الهوية قد يقوض مستقبلهم السياسي

ملخص دراسة: محدودية نجاح حركة النهضة في اقناع قواعدها الشعبية أو الشريحة الكبرى من الشعب التونسي بهويتها الجديدة أحداث مهمة

13 أبريل، 2021


13 ابريل 2021 (MenaCC): يتجه الإسلاميون في تونس الى الإقرار بالفشل في تحقيق طموحات السيطرة على حكم مصير البلاد وان بشكل شرعي وذلك رغم نجاحهم منذ 2011 في تكوين شبكة نفوذ ومصالح قوية خارجية مع قوى شقيقة وصديقة من جهة، وشبكة داخلية من الموالين في الإدارة والمؤسسات التونسية الحكومية والخاصة والهيئات المنتخبة والجماعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والاعلام والتعليم وميدان الاقتصاد ومجتمع رجال الأعمال والفكر والثقافة.

وتكشف دراسة مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) التي بحثت في تطور أداء الإسلاميين في السياسة في تونس خلال عشر سنوات عقب ما يعرف بثورة الياسمين في 2011، أن سياسات الحركة فضلت اختبار قدراتها على المسايرة والاندماج والانتشار بدل لعب دور قوة اقتراح ودفع لحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. ويبدو انها أجلت سياسات تنفيذ برامجها طويلة الاجل خاصة الاقتصادية في انتظار ممارستها الكاملة للحكم بشكل منفرد او بقيادة السلطة التنفيذية والبرلمانية واختبار قدرة التغيير التي قد تتبناها الحركة لكن مع اهداف متناقضة لم تعد تجد ثقة بين طبقات شعبية واسعة بسبب اضطراب مواقف وادوار الحركة وانشغالها في إيجاد تموقعها داخل المشهد السياسي وحلّ الخصومات السياسية والدفاع عن مواقع ونسب تمثيلها في الإدارة.

وأثر انشغال الحركة في الدفاع عن نفسها وعن وطنيتها وتعايشها السلمي مع مفهوم الديمقراطية والمدنية على وتيرة تحقيق برامج الإسلاميين الاقتصادية والاجتماعية وخاصة النهوض بالتنمية والقضاء على الفقر والبطالة وتعزيز التوظيف وثروات الافراد والعدالة الاجتماعية.

ولم يأت الإسلاميون بحلول اقتصادية ناجعة ومطورة لتبني قاعدة نهضة اقتصادية، بل حاولت الاندماج في النسيج السياسي والإدارة في الدولة، بهدف بناء شبكة علاقات وولاءات تخدم برامجها المستقبلية، حيث ان البرنامج الاقتصادي قد يكون تأخر في الوعود الانتخابية للحركة بسبب أولوية تذليل العقبات وبناء التحالفات والسيطرة على مراكز القرار من اجل تقديم إنجازات شعبية.

على الرغم من مرور نحو خمس سنوات منذ اعلان حزب حركة النهضة التونسية التحول الى حزب سياسي مدني منفتح متخلصاً من المرجعية الإسلامية ومتبنيا الممارسة السياسية المرتكزة على مبادئ الحداثة وللتعددية والديمقراطية، لم تنجح الحركة الى اليوم في اقناع قواعدها الشعبية أو الشريحة الكبرى من الشعب التونسي بهويتها الجديدة، حيث ظلّت هذه الهوية ضبابية ومتقلبة وتعتمد على الخطاب المزدوج والتحالفات المتناقضة.

ولذلك خسرت الحركة نسبة هامة من خزان المتعاطفين معها أو من قواعدها الانتخابية رغم استمرارها الحزب الأكثر تنظيماً ظاهرياً حيث يضم أكبر عدد من المحافظين أكثرهم من المعتدلين وجزء من الصقور الراديكاليين الذين انضوى بعضهم تحت مظلة حزب اخر وهو ائتلاف الكرامة وبعض اخر قرر الانسحاب والمراقبة في الظل، ونسبة أخرى خيرت أن تكون بين الفئة الصامتة المتطلعة لعهد جديد لدور الإسلاميين في السياسة.

وقد بات مستقبل الإسلاميين الذي احتكرت جزء هاماً منه حركة النهضة هشّاً جدا بسبب زيادة ارتباط مصير الحركة بزعامة واحدة يمثلها الغنوشي المتقدم في السن والذي أزاح أغلب منافسيه من دائرة اتخاذ قرار مصير تطور الإسلام السياسي. ولذلك يواجه الحزب عواقب أخطاء حزب الرئيس السابق الراحل الباجي القائد السبسي (نداء تونس) الذي ربط شرعية وجوده بحياة زعيمه.

ولم ينفي رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رغبته في استمرار جمعه لمنصبين متناقضين على رئاسة الحركة والبرلمان، وهو ما يعكس رغبة جامحة لمؤيدي الغنوشي في استمرار نفوذ الرجل الذي نجح كسياسي في كسب اعتراف اقليمي ودولي وذلك بهدف الاستفادة من رمزيته لاضفاء شرعية تدعم تماسك أعضاء الحزب غير المنسجمين، ودفع رفض بعض القيادات الاسلامية لاحتكار الغنوشي مصير الحركة والاسلام السياسي ككل الى زيادة حالة الانقسام الداخلي. وتؤخر حالة الانقسام والخلاف المرصودة منذ عامين انعقاد المؤتمر 11 للحركة لانتخاب قيادات النهضة الجدد مع رغبة مبطنة لابقاء الغنوشي في منصبه مدى الحياة على رئاسة الحزب، أمر لم تخفي بعض القيادات الإسلامية المنسحبة تذمرها من محدودية الممارسة الديمقراطية داخل الحزب ومصادرة الشيخ (الغنوشي) للاراء المختلفة معه.

وقد ساعدت معايير الغنوشي الأخلاقية ومهاراته السياسية وصفاته القيادية في إنقاذ حزبه المنقسم داخليا من الصراع الداخلي مؤقتا. ومع ذلك، إذا تجاهل الغنوشي بعض الاصوات التي تطالبه بالتنحي عن رئاسة حزب النهضة، فإنه يخاطر بتقسيمها بدافع الخلاف حول مسألة استمرار قيادته[1]. هذه المخاوف التي دفعت بعض قياديي الحركة الى الانسحاب تعكس قراءة موازية لدور الحركة السياسي داخل البرلمان وخارجه، حيث تنعكس محدودية قناعة قياديي الحركة بالممارسة الديمقراطية والتداول على المناصب القيادية داخل الحزب على النظرة العميقة لمحدودية قناعة قيادة الحركة بالمشاركة السياسية والتعددية واختلاف الرأي خلافاً لما تروج له الحركة من تقبلها مبدأ الاختلاف، اذ تنتقد من ينكر حجمها السياسي أو ينتقد سياساتها، كما أن ممارستها الداخلية قد تكون أكبر مؤشر على انكار أدبيات الحركة للممارسة الديمقراطية برمتها بقدر اعتقادها بالتضامن المصلحي لتحقيق الأهداف.

وقد تشابهت سياسات النهضة في دعم انتشارها بين قواعدها مع آليات حزب التجمع الدستوري الديمقراطي حزب النظام الحاكم السابق قبل ثورة الياسمين باعتماد الحركة السياسات نفسها لتحفيز الولاء للقيادة وانكار مبدأ الاختلاف وان تم تقبله ضمنيا. الا ان ذلك قد يكون للترويج الإعلامي والخارجي فقط.

وخلصت الدراسة الى أن النظام السياسي والانتخابي الحالي قد يدعم استمرار تواجد الإسلاميين داخل السلطة التشريعية أو التنفيذية لكن لا يدعم تطور طموحاتهم مستقبلاً في ممارسة السلطة بشكل منفرد بدون تعديلات دستورية وفي غياب المحكمة الدستورية. أمر يدفع الإسلاميين داخل البرلمان الى الضغط من أجل تحققه بسرعة للحد من تدخلات وتأويلات رئاسة الجمهورية. لكن تشبث الرئيس بالتدقيق في دستورية هذه المحكمة يحول دون ذلك. الا أن النظام الحالي قد يشجع على استمرار التأويلات والتأزيم السياسي والفساد[10] وهو ما قد يتطلب إصلاحات عاجلة لا يمكن حصولها الا بحوار وطني بين الأطراف الفاعلة.

وقد يضطر الإسلاميون الناشطون في السياسة في تونس خاصة الممثلين في مجلس النواب تحت مظلة حركة النهضة أو ائتلاف الكرامة لتأجيل طموحات السيطرة والانفراد بقيادة السلطة التنفيذية والتشريعية في ظل زيادة أهمية أدوار رئيس الجمهورية قيس سعيد ومنظمة اتحاد العام التونسي للشغل في مسارات المشهد السياسي رغم اختلاف تموقعهما.

2021 ©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية MenaCC

 

 

Print Friendly, PDF & Email