سباق التسلح بين الجزائر والمغرب وفرضيات الحرب والسلام

رغم تراجع فرضية الحرب كلفة التوتر والصراع على الصحراء الغربية تعيق افاق ازدهار شعوب المنطقة أحداث مهمة

28 نوفمبر، 2021


 

–         الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين وروسيا ودول عربية تسعى لتجنب مواجهة عسكرية بين البلدين

–         تراجع فرضية الحرب رغم سباق التسلح

–         المغرب والجزائر تجمعهما قواسم مشتركة أكثر بكثير من عوامل الاختلاف

–         السياسة الخارجية الجزائرية أكثر جرأة وافصاحاً عن المواقف دون تحفظ

–         تطور ديبلوماسية براغماتية تنتهجها المغرب التي تسعى لسلام يخدم أهدافها التنموية

–         أي صراع محتمل قد يخلف دمارا من شأنه أن يكسر الرابطة الأخوية بين البلدين

–         الحشد الديبلوماسي قد يتفوق على الحشد العسكري لحل الخلاف

 

قسم رصد المخاطر

MenaCC

28 نوفمبر 2021 : تسعى القوى العظمى الى تجنب صراع عسكري في منطقة المغرب العربي، حيث كانت المتسببة الأولى في دوافعه التاريخية ودعم سباق تسلح قد ينحرف الى مآلات غير محمودة. هذه المساعي تسعى لتجنب دخول حالة التوتر المزمنة بين الجزائر والمغرب الى منعرج خطير بشكل غير مسبوق. حيث دفع تعمق الخلاف الحدودي بين البلدين الى حد التلويح باحتمالات حلول عسكرية مستبعدة في المدى القريب. لكن تسارع وتيرة سباق التسلح المحموم بين البلدين تبعث على القلق رغم اعلانهما عدم رغبتهما في خوض حرب على خلفية تصعيد الخلاف التاريخي بينهما على سيادة الصحراء الغربية. لكن تبقى النظرة المستقبلية للنزاع على الصحراء مقلقة لعدم حسم حل نهائي لها.

وعلى الرغم محاولة تدويل هذا النزاع تتمسك الجزائر بعدم التدخل الخارجي في خلافها مع المغرب، في حين سعت بعض الدول العربية خاصة دول الجوار وبلدان الخليج للتوسط بين البلدين لتغليب منهج الحوار وضبط النفس. ورغم عودة بعض الهدوء الحذر، لكن تبقى حالة الترقب وعدم اليقين بمآلات النزاع من تقلق شعوب المنطقة. وتعيق كلفة التوتر والصراع على الصحراء الغربية منذ عقود افاق ازدهار شعوب منطقة المغرب العربي وتحد من فرص التنمية المشتركة. حيث يبقى مصير المنطقة رهن نتائج هذا الصراع.

ويكشف تقرير رصد المخاطر لمركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MENACC) أنه في حين عززا البلدان من مشترياتهما العسكرية مع زيادة نشر القوات على الحدود فضلاً عن قطع العلاقات الديبلوماسية وغلق الأجواء والمعابر، تم في المقابل استبعاد فرضية صراع عسكري وشيك لإنهاء الخلاف التاريخي بين البلدين، حيث تفضل كل من المغرب والجزائر حلولا سلمية لأن الحلول العسكرية قد تكون كلفتها السياسية والاقتصادية ضخمة جدا.

وتشترك المغرب والجزائر في قواسم مشتركة أكثر بكثير من عوامل الاختلاف، حيث يشترك البلدان في تاريخ وديانات ولغات محلية مشتركة. فحتى لو لم تتطابق السياسات، فإن أي صراع محتمل قد يخلف دمارا من شأنه أن يكسر الرابطة الأخوية بين البلدين[1]. في الأثناء، تحرص القوى العظمى والبلدان العربية لعدم خروج النزاع المحتدم عن السيطرة والدفع بدلاً عن ذلك لإقناع الطرفين بحلول ديبلوماسية تحت مظلة أممية.

وتشير تقارير مختلفة الى تغير سياسات الجزائر الخارجية مع وصول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للحكم[2]، حيث يبدو أن سياساته الداخلية والخارجية أكثر جرأة وافصاحاً عن المواقف دون تحفظ. وتسعى الجزائر لتثبيت الثقل والدور الاستراتيجي لها في المنطقة المغاربية والاقليم العربي وأفريقيا. يحدث ذلك أثناء تطور ديبلوماسية براغماتية تنتهجها المغرب التي تسعى لسلام يخدم أهدافها التنموية مع زيادة ممارسة ديبلوماسية اقتصادية وتعزيز شراكاتها من أجل خدمة مصالحها كما سعت لتوفير دعم دولي لتأكيد سيادتها على الصحراء الغربية. مساران مختلفان لتطور السياسات الخارجية في الاتجاه المعاكس لرغبة كلا البلدين حتى بلغا مرحلة التصادم.

وقد انخرطت المغرب والجزائر في سباق تسلح خطير في السنوات الأخيرة. في عام 2015، بلغت الميزانية العسكرية للجزائر 11 مليار دولار، بينما كانت الميزانية العسكرية المغربية 3 مليارات دولار فقط. لحق المغرب بالجزائر بعد إطلاق خطة إعادة تسليح مدتها خمس سنوات بقيمة 22 مليار دولار في عام 2017 ثم أعاد الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 2018[3]. ويمكن القول إن البلدين قد توصلا إلى توازن عسكري خطير.

وتسعى كل من واشنطن والقوى الأوروبية وحتى الصين وإسرائيل لتزويد المغرب بأحدث المعدات العسكرية، كما حرصت الولايات المتحدة على وجه الخصوص على دعم نجاعة القوات المسلحة المغربية حيث أشركتها في أضخم مناورة عسكرية العام الماضي المعروفة بـ”أسد افريقيا” التي جمعت عدد من الدول الأفريقية والمغاربية كتونس. وبعد تطبيع المغرب لعلاقاتها مع إسرائيل اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية وتقود جهود دولية لدعم المصالح المغربية لكن في الوقت نفسه تسعى لمنع استفزاز الجزائر وتدعم حلاً سلمياً لخلاف البلدين على الصحراء.

في الوقت نفسه زاد دعم كل من روسيا والصين للقدرات العسكرية الجزائرية حيث باتت الأكثر تسلحاً في القارة الافريقية وموّلت منذ سنوات تطور العتاد الحربي الجزائري، حيث تسعى الجزائر لضمان التفوق العسكري في المنطقة والقارة الأفريقية، لكن في الوقت نفسه تحث كل من الصين وروسيا في خضم جهود ديبلوماسية الجزائر لعدم التصادم عسكرياً مع المغرب بعد احتدام الخلاف خاصة بعد اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء.

فقدان السيطرة على النزاع بين الجزائر والمغرب قد يؤدي الى صراع دولي مدمر

لا يبدو أنه من مصلحة القوى العظمى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وقوع مواجهة عسكرية بين البلدين، حيث قد ينشأ تصادم مصالح بين القوى العظمى، وقد تنجر الى مواجهة مباشرة في المنطقة المغاربية وهو احتمال لا تريده لا أوروبا ولا واشنطن ولا روسيا أو الصين.

التهديد بالحرب والتصعيد والمضي في سياسة الاستفزاز قد تجعل المصالحة بين البلدين بعيدة المنال. قبل كل شيء يشجع الأوروبيون الطرفين على تخفيف التوتر على مستوى التصريحات الديبلوماسية والاعلامية، حيث ان استمرار الحرب الباردة من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة المغاربية بأكملها. وهذا لا ينسجم مع مصلحة الاتحاد الأوروبي الذي يحتاج للجزائر والمغرب لمحاربة الهجرة غير الشرعية ودعم استقرار ليبيا وتونس. ويحث الاتحاد الأوروبي كلا من المغرب والجزائر على الخيار الديبلوماسي واقترح التوسط لإيجاد حل لخلافهما[4]. ورغم يقين بعض الدول الأوربية بعدم ارتياح الجزائر أو المغرب للتدخلات الأجنبية في قضية الصحراء، الا أن هناك مساع متفاوتة وغير منسجمة أحياناً بين بعض الدول الأوروبية لتحديد مواقفها إزاء الخلاف الجزائري المغربي وتفضل ظاهريا الالتزام بالحياد والحفاظ على العلاقات مع كلا البلدين.

وتتوجس بعض القوى الدولية كالصين من مصير وفاق الجزائر والمغرب الآخذ في التآكل بعد استمرار التنافس على التسلح. فبعد أن استأنفت جبهة البوليساريو عملياتها المسلّحة قبل فترة وجيزة من اعتراف الولايات المتحدة رسميًا بالسيطرة المغربية على المنطقة المتنازع عليها تواجه الجزائر قرارات حاسمة بشأن كيفية موازنة القوة العسكرية المتنامية للمغرب. حيث تعتقد تقارير أن الجزائر قد تفكر في تصعيد دعمها لجبهة البوليساريو وزيادة وجودها العسكري على الحدود المغربية[5].

في ظل هذا التصعيد، تسعى الصين المهتمة بتنمية مصالحها في المغرب العربي لتجنب أي مواجهة عسكرية بين البلدين من شأنها تهديد المصالح الصينية أو تقويض خططها لتحقيق الربط عبر القارات عبر غرب البحر الأبيض المتوسط. وتخشى الصين أن يؤدي تصاعد التوترات بين الجزائر والمغرب إلى تهديد المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للصين في المنطقة. لكن قد يكون لدى بكين القدرة على اقناع الطرفين لتفضيل أولوية المصالح والانخراط في مبادرة طريق الحرير[6]. وتتطلع الصين إلى لعب دور استراتيجي في تطوير الربط بين أوروبا وأفريقيا عبر غرب البحر الأبيض المتوسط.

من جهة أخرى، يمثل الفوسفات في شمال غرب إفريقيا أهمية حيوية للصين. حيث يمتلك المغرب أكثر من 70 في المائة من احتياطيات صخور الفوسفات العالمية، بينما تمتلك الجزائر رابع أكبر مخزون في العالم. في عام 2018، وقعت شركة CITIC الصينية للإنشاءات اتفاقية مع شركة Sonatrach الجزائرية لبناء منشأة متكاملة لإنتاج الفوسفات بقيمة 6 مليارات دولار من شأنها زيادة الإنتاج السنوي للجزائر إلى 10 ملايين طن. وفي الوقت نفسه، أنشأت شركة Hubei Forbon Technology الصينية مشروعًا مشتركًا مع شركة الفوسفات المغربية العملاقة المملوكة للدولة في يناير 2021 لتطوير الجيل التالي من الأسمدة[7].

من جهتها، لا تسعى روسيا لمعاداة المغرب من خلال توفير معدات عسكرية من الدرجة الأولى للجزائر. حيث كانت هناك تقارير تفيد بأن الجزائر وقعت صفقة مع روسيا لشراء طائرات مقاتلة من طراز SU-57 الشبح. ومع ذلك، يبدو أن هذه التقارير مجرد إشاعات، حيث نفت روسيا مؤخرًا أنها ستقدم طائرات SU-34 إلى الجزائر على الرغم من التقارير السابقة التي أكدت الصفقة. يمكن قراءة هذه المؤشرات على أنها إشارة لسعي روسيا عدم استفزاز المغرب أو المشاركة في تصعيد وتيرة السباق على التسلح بين البلدين.

دوافع الصراع التاريخي وتحوله لحرب باردة

تصدرت واحدة من أطول النزاعات المجمدة في منطقة شمال إفريقيا مؤشرات توقعات التوتر منذ ديسمبر الماضي عندما اعترف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. بدأ نزاع الصحراء الغربية في عام 1975، عندما تركت إسبانيا في أعقاب وفاة الديكتاتور الاسباني فرانسيسكو فرانكو مستعمرتها في جنوب المغرب وغرب موريتانيا. بعد توقيع اتفاقيات مدريد في نفس العام، تم تقسيم المنطقة بين المغرب وموريتانيا. قرر السكان المحليون، الذين تجمعوا تحت راية جبهة البوليساريو، حمل السلاح والقتال ضد كلا البلدين والمطالبة بالاستقلال والحكم الذاتي. حسب عدة تقارير فقد دعمت الجزائر جبهة البوليساريو، ومدّتها بالسلاح والدعم السياسي. انسحبت موريتانيا بعد عدة سنوات من القتال، وتم وقف إطلاق النار في عام 1991 بين جبهة البوليساريو والمغرب. تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، واتفق الطرفان على إجراء استفتاء. أرسلت الأمم المتحدة قوة حفظ سلام دولية. ومع ذلك، لم يتم إجراء الاستفتاء أبدًا، حيث لم يتمكن الطرفان من الاتفاق على شروطه. رغم ذلك كانت هناك محاولات من كلا الجانبين لتسوية النزاع دون نجاح[8].

على مدى الأشهر الماضية وبعودة نشاط عمليات جبهة البوليساريو مرة أخرى، واجهت كل من الجزائر والمغرب شبح انهيار شبه تام للعلاقات الدبلوماسية. حيث اتهمت الجزائر باستمرار المغرب بمحاولة تقويض الحكومة الجزائرية وفي نفس الوقت إشعال حرائق الغابات في الجزائر بهدف الإضرار باقتصادها الزراعي. ونفى المغرب الاتهامات ورد على أن الجزائر تحاول إثارة الاضطرابات في منطقة الصحراء الغربية من خلال دعم وتمويل جبهة البوليساريو، وهي مجموعة متمردة تزعم أن الصحراء الغربية ليست أرض مغربية بل دولة مستقلة.

بعد توصل المغرب في ديسمبر 2020 إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يقضي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالصحراء الغربية كأرض مغربية، لم تبدي الجزائر موقفاً غاضباً من القرار المتعلق بالصحراء الغربية فحسب، بل كانت أيضًا معادية لإسرائيل نظرًا لأنها جزء من مقاطعة جامعة الدول العربية لإسرائيل[9].

ويبدو أن منطقة المغرب العربي قد دخلت فترة جديدة وأكثر خطورة من التوترات الجيوسياسية. فالتصعيد الأخير بين الجزائر والمغرب تعبير جديد عن التنافس القديم الذي لم يعد بالإمكان تجاهله. وقد تصبح استدامة عدم الاستقرار الإقليمي ناجمة عن هذه التوترات. فمنذ سنوات طويلة اندلعت حرب باردة بين الجزائر والمغرب، وما لم يعالجها المجتمع الدولي أو كلا البلدين، والتي يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية. وحتى الآن، تخيّر الجزائر التصعيد الدبلوماسي فقط لأن التصعيد العسكري من شأنه أن يكون مكلفًا ولن يحظى بشعبية سياسية. لكن لا ينبغي قراءة ذلك على أنه علامة على عدم قدرة الجزائر أو قبولها غير المشروط للوضع الراهن[10].

AFP

أولويات المغرب العسكرية: تحديث سلاح الجو

استخدمت المغرب طائرة بدون طيار لأول مرة خلال الغارة الجوية في أبريل 2021 في المنطقة الصحراوية التي يسيطر عليها تنظيم “جبهة البوليساريو” في الصحراء الغربية، حيث يسعى التنظيم السياسي المسلح الى إنهاء سيطرة المغرب على المنطقة الصحراوية.

وتدعم الولايات المتحدة بشكل فعّال في تعزيز قوات المغرب الجوية خاصة من خلال تزويدها بطائرات قادرة على التخفي، وتحديداً الطائرات الأمريكية بدون طيار والذخائر الموجهة بدقة وكذلك الذخائر الموجهة بالليزر.

وقع المغرب اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، بوساطة أمريكية، في ديسمبر 2020، وهي خطوة توقع خبراء أن تساعد الرباط في سعيها لتعزيز القدرات الدفاعية النوعية. وكانت واشنطن أسبقت هذه الخطوات بمبادرات مختلفة للمغرب، حيث سمحت وزارة الخارجية الأمريكية في مارس 2019، للمغرب بشراء 25 طائرة مقاتلة جديدة من طراز F-16 وتطوير 23 من طرازاتها القديمة. وفي يونيو 2020، وقع المغرب عقدًا مع شركة Boeing الأمريكية لشراء 24 طائرة هليكوبتر من طراز AH-64 Apache.

وتدرس واشنطن نقل مراحل تصنيع مقاتلات F-16 إلى المغرب كبعد استراتيجي آخر لجهود التحديث العسكري الأمريكي، حيث يتم استخدام هذه الطائرات من طراز F-16 لأغراض مكافحة الإرهاب، على عكس الطائرات بدون طيار، التي يبدو أنها تهدف إلى التخفيف من تهديدات النزاع في الصحراء الغربية. ومن خلال مشتريات الأسلحة المغربية في عام 2020 تسعى القوات المسلحة في المغرب لتحديث قواتها[11].

وتسير المغرب والجزائر في اتجاه زيادة الإنفاق العسكري في 2022، حيث تظهر تفاصيل السنة المالية 2022 لكل من المغرب والجزائر خططًا لتخصيص 12.8 مليار دولار و9.7 مليار دولار على التوالي للإنفاق العسكري[12].  وكان قد عُرض مشروع ميزانية المغرب 2022 على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في أكتوبر الماضي، حيث زادت ميزانية الدفاع بنسبة 4.77٪ عن ميزانية الدفاع لعام 2021[13]. فضلا عن ذلك استحوذت المغرب على نظام دفاع جوي إسرائيلي مضاد للطائرات بدون طيار[14].

هل تفكر الجزائر في تغيير عقيدتها العسكرية؟

بناء على الدستور الجديد الذي أصدرته الرئاسة الجزائرية[15]، سيكون من الممكن للجيش الجزائري العمل خارج حدود البلاد. بموجب التعديلات الجديدة، يمكن للرئيس الجزائري التشاور مع البرلمان قبل السماح للجيش بالمشاركة في مهام خارج حدود البلاد. وهو ما يمثل بمثابة تحول في نهج البلاد تجاه القضايا العسكرية والدبلوماسية. حيث لطالما امتنعت الدولة المغاربية الغنية بالنفط عن إرسال جيشها في مهام خارج حدودها امتثالاً لبنود الدستور.

ومع ذلك، تعرضت الجزائر لضغوط كبيرة في السنوات الأخيرة لإشراك جيشها في مهام أمنية وعسكرية في الخارج، لا سيما مهمات مكافحة الإرهاب في المنطقة. دعت كل من فرنسا والولايات المتحدة الجيش الجزائري للانضمام إلى الحرب الإقليمية ضد الإرهاب والجريمة المنظمة. وعانى موقف الجزائر من العديد من الانتكاسات الدبلوماسية والاستراتيجية، خاصة بعد التورط العسكري الفرنسي في محاربة الجماعات الجهادية في مالي، والتي تشاركها الجزائر منذ فترة طويلة. وعملت الجزائر على تطوير قوتها العسكرية بشكل مستمر وبوتيرة مشتريات متنامية.

ويذهب نصيب الأسد من الإنفاق الدفاعي للجزائر على شراء العتاد العسكري الروسي. بميزانية قدرها 9.45 مليار دولار للسنة المالية الحالية، تعد الجزائر أكبر سوق دفاعي في إفريقيا وسادس أكبر مستورد للأسلحة في العالم. حيث تسارعت وتيرة التحديث العسكري من أجل مكافحة التهديدات الإرهابية المتأتية من ليبيا، ومراقبة حقول النفط والغاز، والسعي لتحقيق التفوق العسكري الإقليمي في منطقة الساحل[16].

وتستورد الجزائر مجموعة واسعة من الأسلحة الروسية من جميع الفئات، بما في ذلك بعض أكثر الأنظمة المتاحة تقدمًا، مثل صواريخ إسكندرE الباليستية قصيرة المدى وعدد من الغواصات، ويبدو أن روسيا مصممة على الاحتفاظ بحصتها في السوق الجزائرية بسبب الطلب المرتفع للجزائر وقدرتها على دفع ثمن أحدث الأسلحة الروسية، فقد أدت الإطاحة بمعمر القذافي، العميل الرئيسي للأسلحة الروسية في السابق، واستمرار عدم الاستقرار في ليبيا إلى زيادة أهمية الجزائر كعميل للأسلحة الروسية[17]. ويبدو أن الاهتمام بالتسلح يهدف لرفع قدرات الجيش الجزائري ودعم مهماته خاصة في حفظ الأمن وردع التهديدات.

تشير مسودة التعديلات أيضًا إلى تغيير في تصور الجزائر للأمن، لأنها ستمنح الجيش خيارات أخرى غير مجرد الانتظار للرد على التهديدات من داخل حدود البلاد. حيث تتجه الجزائر نحو تغيير جذري وملحوظ في العقيدة العسكرية للجيش، والتي تسمح بإرسال وحدات من الجيش خارج الحدود، سواء للمشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية أو عمليات إحلال السلام في دول الجوار في إطار الاتفاقيات الثنائية مع الدول المعنية[18].

ولم يعد تركيز الجيش الجزائري على الحدود مع المغرب بل على حدود البلاد الصحراوية الطويلة مع تونس وليبيا والنيجر ومالي. هذا تحول كامل بدأ رصده منذ عشرين عامًا. حيث زادت رغبة الجزائر في التقارب والتعاون مع كل من تونس وليبيا في مرحلة ما بعد انتفاضات الربيع العربي[19]. وتبدو الجزائر راضية إلى حد ما عن التنسيق الأمني واللوجيستي مع البلدان المجاورة، بما في ذلك النيجر ومالي وموريتانيا، من خلال لجنة عمليات مشتركة، وهذا التنسيق يتم دون التهديد بالتدخل العسكري. ومع ذلك، فالوضع الأمني في ليبيا ينذر بالخطر. وهكذا، أصبح تغيير الاستراتيجية العسكرية الجزائرية ضرورة تمليها التغيرات الإقليمية، فما ورد في مسودة التعديل الدستوري قد يكون له علاقة سببية بما يجري في ليبيا ودول الساحل الإفريقي[20].

وتهتم الجزائر بقيادة جهود السلام في منطقة المغرب العربي، في الوقت نفسه تعمل المغرب أيضا من جهتها على ترسيخ ديمومة الأمن والسلام، وفي هذا التوجه يشترك البلدان لكن يصطدمان فقط بخلاف سيادة الصحراء. خلاف قد يجد حلولا داخلية وليست خارجية.

 

2021 ©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية MenaCC

 

الهوامش:

[1] ALI LMRABET, Morocco-Algeria: Looming Conflict, September 2, 2021, https://politicstoday.org/morocco-algeria-looming-conflict/
[2] Houssam Eddine Beggas, The Road Ahead for Algeria’s New President: Beginning or End of Democratic Change?, January 6, 2020, http://blogs.shu.edu/journalofdiplomacy/2020/01/the-road-ahead-for-algerias-new-president-beginning-or-end-of-democratic-change/

[3] ALI LMRABET, Morocco-Algeria: Looming Conflict, September 2, 2021, https://politicstoday.org/morocco-algeria-looming-conflict/
[4] Crise Maroc Algerie, L UE se propose comme mediateur, Medias24, 2021, https://www.medias24.com/2021/08/26/crise-maroc-algerie-lue-se-propose-comme-mediateur/
[5] Michaël Tanchum and Nerea Álvarez-Aríztegui, China’s chance to bridge the Algeria–Morocco divide, University of Navarra, East Asia Forum Economics,12 March 2021, https://www.eastasiaforum.org/2021/03/12/chinas-chance-to-bridge-the-algeria-morocco-divide/
[6] Michaël Tanchum and Nerea Álvarez-Aríztegui, China’s chance to bridge the Algeria–Morocco divide, University of Navarra, East Asia Forum Economics,12 March 2021, https://www.eastasiaforum.org/2021/03/12/chinas-chance-to-bridge-the-algeria-morocco-divide/
[7] Michaël Tanchum and Nerea Álvarez-Aríztegui, China’s chance to bridge the Algeria–Morocco divide, University of Navarra, East Asia Forum Economics,12 March 2021, https://www.eastasiaforum.org/2021/03/12/chinas-chance-to-bridge-the-algeria-morocco-divide/
[8] Lukas Jansen, Western Sahara and Russian Arms Sales: A Review, April 9, 2021, https://russiancouncil.ru/en/analytics-and-comments/columns/military-and-security/western-sahara-and-russian-arms-sales-a-review/
[9] Nicholas Dawson, Algeria and Morocco’s Deteriorating Relations: A Brief History and Analysis of Modern Ties, Forecast International; November 2, 2021, https://dsm.forecastinternational.com/wordpress/2021/11/02/algeria-and-moroccos-deteriorating-relations-a-brief-history-and-analysis-of-modern-ties/
[10] Zine Labidine Ghebouli, Algeria-Morocco tensions: The onset of a regional cold war, November 10, 2021, https://www.mei.edu/publications/algeria-morocco-tensions-onset-regional-cold-war
[11] Agnes Helou, Here are Morocco’s top priorities for modernizing its Air Force, Aug 2021, https://www.defensenews.com/global/mideast-africa/2021/08/18/here-are-moroccos-top-priorities-for-modernizing-its-air-force/
[12] Jihane Rahhou, Morocco, Algeria to Increase Military Spending in 2022, Morocco wolrd News, Oct,25, 2021, https://www.moroccoworldnews.com/2021/10/345169/morocco-algeria-to-increase-military-spending-in-2022
[13] Charles Forrester, Morocco increases defence budget with more procurement expected, Janes, 28 OCTOBER 2021, https://www.janes.com/defence-news/news-detail/morocco-increases-defence-budget-with-more-procurement-expected
[14] AL Monitor Straff, Morocco acquires Israeli anti-drone air defense system, Nov 2021, https://www.al-monitor.com/originals/2021/11/morocco-acquires-israeli-anti-drone-air-defense-system
[15] رئيس الجمهورية يوقع مرسوم تعديل الدستور، وكالة الأنباء الجزائرية، يناير ٢٠٢١، https://www.aps.dz/ar/algerie/99145-2021-01-01-09-53-12
[16] US Official Website of the International Trade Administration, ALGERIA DEFENSE MARKET, 2020, https://www.trade.gov/market-intelligence/algeria-defense-market
[17] Congressional Research Service (CRS), using data from the Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI) Arms Transfers Database, SIPRI, Trends. With a population of 43 million, Algeria reportedly had the world’s third-highest military expenditures as a share of GDP in 2020 (SIPRI, Trends in World Military Expenditure 2020, April 2021)
[18] Abdelkrim Dekhakhena, Why Is Algeria Considering Changing its Military Doctrine?, Journal of Military and Strategic Studies, VOLUME 20, ISSUE 3, file:///C:/Users/IMED/Downloads/71270-Article%20Text-218183-1-10-20210624.pdf
[19] Simon Speakman Cordall, Algeria, Tunisia on sidelines of regional diplomacy over Libya conflict, AL Monitor, 2020, https://www.al-monitor.com/originals/2020/07/egypt-decision-troops-libya-war-algeria-hifter.html
[20] Abdelkrim Dekhakhena, Why Is Algeria Considering Changing its Military Doctrine?, Journal of Military and Strategic Studies, VOLUME 20, ISSUE 3, file:///C:/Users/IMED/Downloads/71270-Article%20Text-218183-1-10-20210624.pdf

 

Print Friendly, PDF & Email