لماذا تراهن واشنطن دائما على السعودية: استمرار التحالف رغم خلاف مبطن

السعودية مركز الثقل المقبل في الخليج الضامن للاستقرار إذا تم الانسحاب الأمريكي من المنطقة أحداث مهمة

28 أبريل، 2022


  • كيف استعدت السعودية للانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط؟
  • رغم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية استمرار الدعم الأمريكي للسعودية

ادارة أبحاث المركز

الكويت، 28 ابريل 2022

(MenaCC)

الملخص التنفيذي: رغم ترويج الاعلام الدولي والعربي لتداعيات محتملة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على علاقة واشنطن بدول الخليج، الا ما من تغيير جوهري مرتقب من شأنه توقع خفض درجة التعاون والتقارب الأمريكي الخليجي خاصة على مستوى التجارة والدفاع والتسلح، حسب خلاصة الجزء الرابع لدراسة أعدها المركز عن تداعيات الانسحاب العسكري الأمريكي من الشرق الأوسط والخليج.

وتوصي مراكز فكر أمريكية باستمرار الولايات المتحدة في تزويد الشركاء الخليجيين بالمساعدة الأمنية التي تدعم استراتيجية شاملة لمبيعات الأسلحة الإقليمية لضمان هيكل أمني مستقر في منطقة الشرق الأوس بشرط عدم اضعاف موقف إسرائيل ومنع سباق التسلح الإقليمي، وحماية التفوق الأمريكي التكنولوجي. وتسمح المساعدة الأمنية للولايات المتحدة بالاستفادة من القوى العاملة والخبرة الإقليمية واستعداد دول مجلس التعاون الخليجي لإجراء عمليات مشتركة.

ولطالما مثل الوجود العسكري الأمريكي صمّام أمان للطموحات الضخمة للدول الخليجية خاصة الصغيرة والغنية بموارد الطاقة. ونظرا للتهديدات الإقليمية القائمة، يؤثر أي انسحاب نهائي للقوات الأمريكية من بعض دول الخليج على رؤية حماية هذه الدول من المخاطر المحتملة.

في المقابل، تحسباً لمثل هذا السيناريو سارعت منذ سنوات أغلب بلدان مجلس التعاون الخليجي لتعزيز قدراتها الدفاعية وتمتين تعاونها الأمني تحت مظلة دفاعية خليجية مشتركة تقودها السعودية من أجل حماية مصالحها في ظل غياب محتمل مستقبلاً للحماية وللقوة الأمريكية يوماً ما. هذا ما دفع السعودية والامارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان الى مضاعفة الجهود لتذليل عقبات بلوغ وحدة السياسات الدفاعية وذلك عبر تعزيز المناورات والتدريبات الدورية المشتركة تزامناً مع سباق محموم لتعزيز مشتريات أحدث المعدات العسكرية.

بدأ الإجماع في الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر القريبة من دوائر القرار في الولايات المتحدة حول تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط منذ سنوات. يعتقد البعض أن الانسحاب الجزئي ضروري اليوم بسبب تغيير في الأهمية الاستراتيجية للمنطقة[1]. ويمكن أن تؤدي العديد من العوامل الداخلية والخارجية إلى سحب جزئي للقوات الأمريكية في المنطقة خاصة بعد عام 2030. وفي الوقت نفسه، ستعمل قوى إقليمية مثل المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر بشكل أكثر استقلالية عن واشنطن، وستصبح الصين تدريجياً أكثر انخراطاً في المنطقة[2].

خليجياً، قد يعتمد موعد انسحاب الجيش الأمريكي على مدى تعزز قدرات دول الخليج الدفاعية واستقلالية سياساتها الأمنية عن المظلة الدفاعية الأمريكية في المدى القريب. اذ أن استمرار تزويد حكومات خليجية بمنظومات دفاعات جديدة قد يحدد توقيت الخروج العسكري الأمريكي الكبير من الأراضي الخليجية مستقبلاُ. فتواجد الجنود لم يعد حيوياً ومفيداً في ظل إعادة تشكيل رؤية الانتشار العسكري الأمريكي القائم على الحرب الذكية والاستخبارات والمراقبة[3].

الا أن التفكير في عملية سحب كامل للقوات الأمريكية من الشرق الأوسط احتمال لم تستعد له دول كثيرة في المنطقة بعد، ما عدى عدد منها في مقدمتها المملكة العربية السعودية والامارات. وعززت المملكة بصفة خاصة قوتها الدفاعية والهجومية وقدرتها على مكافحة الإرهاب من اجل استشراف مغادرة نهائية للجيش الأميركي من المنطقة بعد نهاية العقد الجاري.  وبفضل تحسين قدراتها الدفاعية والهجومية وتطوير عتادها العسكري قفزت السعودية في ترتيب أقوى جيوش العالم التي تعده مؤسسة (globalfirepower)[4] من 24 في 2010 الى 17 في 2021.

احتمال خروج الولايات المتحدة نهائياً من قواعدها بدول الخليج استبقت حدوثه قبل سنوات بعض الدول الخليجية خاصة السعودية والامارات والكويت من خلال زيادة ابرام عقود تسلح وتحديث الترسانة العسكرية[5] والاستثمار في تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية العسكرية والقيام بأكثر عدد ممكن من المناورات والتدريبات العسكرية[6] لاختبار قوة الردع الخليجي لمواجهة التطور النوعي للترسانة الصاروخية الايرانية[7]. ويبدو أن هناك اتفاق لتعزيز قدرات الدول الخليجية لوصولها الى قوة مكافئة لإيران مع ضمان التفوق النوعي للقدرات العسكرية الإسرائيلية. ومن المرجح أن تتبوأ السعودية مركز الثقل الإقليمي الذي تراهن عليه واشنطن والتي تستمر في دعم القدرات الدفاعية للمملكة من أجل التغلب على تهديدات القوة العسكرية الإيرانية المتصاعدة.

كما عكس سباق التسلح في منطقة الخليج في السنوات الأخيرة رغبة خليجية في الاعتماد على القدرات الذاتية وتحقيق توازن في التحالفات بالانفتاح أكثر على تحالفات استراتيجية جديدة[8] مع الصين وآسيا وروسيا بالإضافة الى تعزيز التقارب العربي-العربي في مجال الدفاع[9].

السعودية تنال ثقة واشنطن كقوة اعتدال إقليمي

راهنت واشنطن على اعتدال سياسات الرياض[10] ووقوفها على مسافة واحدة من جيرانها وبقية الدول العربية لتشكّل بذلك مركز ثقل تتوافق عليه خاصة دول الخليج والشرق الأوسط، وذلك استباقاً لمرحلة لعب دور إقليمي أكبر لدعم استقرار المنطقة والاضطلاع بمهام دفاعية بعد انسحاب أكبر للقوات الأمريكية من القواعد الخليجية، على أن تكون السعودية القوة الصاعدة التي يمكنها المشاركة في صنع السلام ومنع التوتر والوساطة في حل الصراعات والاستمرار في مكافحة الإرهاب والتطرف ومنع تداعيات السباق على التسلح على مستقبل الازدهار التي ترنو اليه الشعوب.

ولأجل ذلك قدمت الحكومات الأمريكية منذ عهد أوباما تسهيلات كثيرة من أجل تحسين قدرات المملكة العسكرية[11] وبناء قوة دفاعية وهجومية لا يستهان بها بالمقارنة مع إيران. مع ذلك تم دعم سياسات السعودية في التهدئة وعودة لعب دور قيادي في المنطقة في فض النزاعات وكانت حرب اليمن فرصة اختبار لقدرة الرياض العسكرية من جهة، ومن جهة أخرى قدرتها على إرساء سلام ودعم نظام منفتح لا يميل للتطرف، ولذلك خيّرت واشنطن ألا تتدخل بشكل مباشر في الحرب اليمنية[12]. كما اختبرت واشنطن قدرات السعودية في حرب ضد تنظيم “داعش” حيث لازالت المملكة عضوا فاعلاً في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية[13] وشريكا استراتيجيا في المنطقة لنشر قيم التسامح ونبذ التطرف.

على صعيد آخر، نالت السعودية أكبر نصيب من عقود التسلح مع الشركات الأمريكية[14]. وتعزز التعاون المشترك من أجل رفع درجة التدريب والتكوين لأفراد الجيش السعودي وتحفيز قدراته وخبراته في التعامل مع الأسلحة المتطورة واتقان الحرب الالكترونية أيضا بالنظر لزيادة تهديدات الهجمات السيبرانية على السعودية[15].

ورغم وعود أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء حملته الرئاسية في 2020 بتقليص مبيعات الأسلحة للسعودية من أجل ما يعتبره دفع لوقف الصراع في اليمن، الا أن الإدارة الديمقراطية الحالية لم تقم بإلغاء أي عقود أسلحة أمريكية لصالح السعودية تمت في عهد الرئيس سابق دونالد ترامب، في دلالة على استمرار التعاون الأمريكي السعودي حتى في عهد الرئيس بايدن. فضلاً عن ذلك، في عهد الإدارة الديمقراطية السابقة حيث كان بايدن نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، قامت الولايات المتحدة بمبيعات كبيرة من الأسلحة إلى دول الخليج، وحضرت العديد من اجتماعات القمة مع قادتها وقدمت الدعم للتدخل السعودي الإماراتي في اليمن[16].

وكانت الإدارة الديمقراطية للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما حيث عمل بايدن نائبا للرئيس، قد سعت إلى صياغة وضع للقوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ليكون فعالًا عسكريًا ومستدامًا مالياً. ومع ذلك، من المرجح أن يواجه صانعو السياسة قرارات صعبة حول حجم هذا التواجد في المستقبل للحفاظ على حجم البصمة الأمنية الأمريكية المناسبة في الخليج، حيث قد تضطر الولايات المتحدة لمواصلة تعزيز درجة تقاسم عبء الانفاق العسكري على القوات الأمريكية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

هل تقود السعودية مشروع مظلة دفاعية خليجية ضد التهديدات الخارجية المحدقة بدول الخليج؟

في حال التزمت واشنطن بوعودها إزاء إتمام صفقات الأسلحة المتطورة المبرمة مع السعودية قد تنجح المملكة في قيادة جهود لإرساء مظلة دفاعية خليجية قوية تحمي دول مجلس التعاون ضد التهديدات الخارجية مستغنية بذلك عن المنظومات الدفاعية الأمريكية.

على الأرجح أن يقتصر دور واشنطن على المراقبة والتنسيق والاستخبارات والدعم اللوجيستي في منطقة الخليج[17]. حيث قد يقتصر تواجد الجيش الأمريكي على مئات الأفراد[18]. أما دور الحماية المنصوص عليه في اتفاقيات أمنية استراتيجية بين دول الخليج والولايات المتحدة[19] فقد تفوّضه الإدارة الأمريكية للسعودية كقوة عسكرية وتكنولوجية واقتصادية صاعدة بدأت تنافس القوة الإيرانية بل تتفوق عليها في مجالات كثيرة، وهو ما يجعل المملكة تتحول لقوة ردع وحفظ للسلام. هذه القوة التي بصدد التشكل تبقي رهانها على سياسات خارجية توافقية مع الدول العربية حيث باتت بعيدة عن الزج بنفسها في صراعات المنطقة ما عدى اليمن. وتحرص الرياض على الاشراف على تسوية سياسية عادلة تعيد الشرعية وفق حلول توافقية. وربما كان الاجتماع الأخير الذي رعته المملكة من أجل حل سلمي في اليمن مؤشر واضح على تغيير في السياسات السعودية. اذ قد تكون داعمة بشكل أكبر للسلام وفض النزاعات[20]، وهذا هو الدور الذي تدعمه الولايات المتحدة منذ حقبة ادارة أوباما والتي بدأت خطوات الانسحاب الأمريكي التدريجي من الشرق الأوسط. وبما أن إدارة بايدن امتداد لإدارة أوباما مع ملاحظة انسجام في الأولويات والسياسات المتبعة مع دول الخليج، فعلى الأرجح استمرار الدعم الأمريكي للمملكة عسكرياً ولوجستياً تحضيراً لانسحاب أكبر ومدروس للقوات الأمريكية على مراحل مع الأخذ في عين الاعتبار تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا ومستقبل الاستقرار في دول المنطقة.

 

2022 ©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية

المصادر:

[1] The Case for Doing Less,” Foreign Affairs (January/February 2019): 88–100, https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2018-12-11/americas-middle-east-purgatory, and Martin Indyk, “The Middle East Isn’t Worth It Anymore,” Wall Street Journal, January 17, 2020, https://www.wsj.com/articles/the-middle-east-isnt-worth-it-anymore-11579277317
[2] Fitch Solutions, US Unlikely To Substantially Reduce Gulf Military Presence Over Next Decade, Defence & Security, Middle East, 02 Mar, 2021, https://www.fitchsolutions.com/defence-security/us-unlikely-substantially-reduce-gulf-military-presence-over-next-decade-02-03-2021
[3] THE GULF SECURITY ARCHITECTURE: PARTNERSHIP WITH THE GULF COOPERATION COUNCIL, A MAJORITY  STAFF REPORT PREPARED FOR THE USE OF THE COMMITTEE ON FOREIGN RELATIONS UNITED STATES SENATE One Hundred Twelfth Congress Second Session, June 19, 2012, https://www.govinfo.gov/content/pkg/CPRT-112SPRT74603/html/CPRT-112SPRT74603.htm
[4] GlobalFirepower.com Ranks, Military powers ranked since 2005 according to Global Firepower, https://www.globalfirepower.com/global-ranks-previous.php
[5] Arms Sales in the Middle East: Trends and Analytical Perspectives for U.S. Policy Updated November 23, 2020, Congressional Research Service https://crsreports.congress.gov

R44984
[6] U.S. Naval Forces Central Command Public Affairs, US and Saudi Forces Conduct Joint Military Exercises on Saudi Islands, May 25, 2020, https://www.cusnc.navy.mil/Media/News/Display/Article/2196694/us-and-saudi-forces-conduct-joint-military-exercises-on-saudi-islands/
[7] CSIS, Missiles of Iran, aug 2021, https://missilethreat.csis.org/country/iran/
[8] Christine Wormuth, Russia and China in the Middle East Implications for the United States in an Era of Strategic Competition, RAND Corporation, Santa Monica, Calif, 2019, https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/testimonies/CT500/CT511/RAND_CT511.pdf
[9] YASMINE FAROUK, The Middle East Strategic Alliance Has a Long Way To Go, Carnegie, 2019, https://carnegieendowment.org/2019/02/08/middle-east-strategic-alliance-has-long-way-to-go-pub-78317
[10] Ariane M. Tabatabai and Becca Wasser, Could America Use Its Leverage to Alter the Saudis’ Behavior?, RAND Blog, November 15, 2018, https://www.rand.org/blog/2018/11/could-america-use-its-leverage-to-alter-the-saudis.html
[11] BUREAU OF NEAR EASTERN AFFAIRS, U.S. Relations With Saudi Arabia, BILATERAL RELATIONS FACT SHEET, DECEMBER 15, 2020, https://www.state.gov/u-s-relations-with-saudi-arabia/
[12] REPORT  3 / UNITED STATES 15 APRIL 2019, Ending the Yemen Quagmire: Lessons for Washington from Four Years of War, https://www.crisisgroup.org/united-states/003-ending-yemen-quagmire-lessons-washington-four-years-war
[13] United States Department of State, Country Reports on Terrorism 2016 – Saudi Arabia, 19 July 2017, available at: https://www.refworld.org/docid/5981e41b13.html, accessed 20 September 2021
[14] Joe Walsh, Biden Administration Pauses Controversial Arms Sales To Saudi Arabia And UAE, Forbes, Jan 2021, https://www.forbes.com/sites/joewalsh/2021/01/27/reports-biden-administration-pauses-controversial-arms-sales-to-saudi-arabia-and-uae/?sh=230fe4d6695b
[15] DR ALEKSANDER OLECHAFRICA, Cybersecurity in Saudi Arabia, Institute of new Europe, AUGUST 11, 2021, https://ine.org.pl/en/cybersecurity-in-saudi-arabia/
[16] F. Gregory Gause III, Should We Stay or Should We Go? The United States and the Middle East, Global Politics and Strategy, Volume 61, 2019 – Issue 5, Pages 7-24 | Published online: 17 Sep 2019, https://doi.org/10.1080/00396338.2019.1662114
[17] THE GULF SECURITY ARCHITECTURE: PARTNERSHIP WITH THE GULF COOPERATION COUNCIL, A MAJORITY  STAFF REPORT PREPARED FOR THE USE OF THE COMMITTEE ON FOREIGN RELATIONS UNITED STATES SENATE One Hundred Twelfth Congress Second Session, June 19, 2012, https://www.govinfo.gov/content/pkg/CPRT-112SPRT74603/html/CPRT-112SPRT74603.htm
[18] JOSEPH TREVITHICK, Docs Show US To Massively Expand Footprint At Jordanian Air Base Amid Spats With Turkey, Iraq, Tens of millions of dollars will turn this base in Jordan into a new major regional hub for combat jets, drones, cargo planes, and more, JANUARY 14, 2019, https://www.thedrive.com/the-war-zone/25955/docs-show-us-to-massively-expand-footprint-at-jordanian-air-base-amid-spats-with-turkey-iraq
[19] BUREAU OF POLITICAL-MILITARY AFFAIRS, U.S. Security Cooperation With Saudi Arabia, FACT SHEET, JANUARY 20, 2021, https://www.state.gov/u-s-security-cooperation-with-saudi-arabia/
[20] HRH Prince Turki Al-Faisal, Washington, DC, Saudi Foreign Policy Today, https://mepc.org/speeches/saudi-foreign-policy-today