الحضور الإيراني في إفريقيا في عهد رئيسي.. تراجع أم تقدم؟

محاولات توسيع نطاق النفوذ الايراني في القارة السمراء أحداث مهمة

21 ديسمبر، 2022


الكويت، 21 ديسمبر 

بقلم الباحث: د. محمد خليفة صديق

 

تواصل السياسة الخارجية الإيرانية في عهد ابراهيم رئيسي اهتمامها الخاص بإفريقيا. كما أن مواصلتها في محاولات توسيع نطاق نفوذ إيران في القارة، تبدو ظاهرة للعيان، ومن التصريحات والمواقف المتفرقة لرئيسي وأصحاب الشأن في الحكومة الإيرانية، وستعتمد إيران سياسة مختلطة في نفوذها داخل أفريقيا تجمع بين المذهب الشيعي والاقتصاد والعلاقات الثقافية والدعم العسكري، والاستجابة للهواجس الأمنية حول الممرات المائية وحركة التجارة في البحار الإفريقية.

مقدمة: 

تاريخ السياسـة الخارجية الإيرانيـة يفصح أن لإيران مناطق اهتمام ذات أولوية، تبدأ بالجوار لتصل إلى مناطق أخرى أبعد، منها الوجود الإيـراني في القـارة الإفريقيـة، وبالرغم من أن ملف السياسة الخارجية في إيران هو ملف سيادي بالأساس، يضع خطوطه العريضة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، فإنه لا يمكن توقع حدوث تغير دراماتيكي في سياسة إيران الخارجية، لاسيما مع الخلفية المتشددة للرئيس إبراهيم رئيسي، والتي على الأرجح سيغلب عليها الشعارات الأيديولوجية، فيما ستظل البراغماتية والمصلحة الإيرانية حاضرة، بل وغالبة في تسوية ملفات السياسة الخارجية كافة.

المشكلة التي سيجري تناولها تتمثل في مساءلة مدى مواصلة السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رئيسي في الاهتمام الخاص بإفريقيا، ومواصلة توسيع نطاق نفوذ إيران في القارة، خاصة منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي ترجو إيران من خلالها التأثير في حركة الملاحة في البحر الأحمر، ونقل الأسلحة إلى ميليشيا الحوثي في اليمن، وإلى دول أخرى، ووراثة النفوذ الأمريكي الآخذ في التراجع.

يهدف هذا البحث من خلال منهج وصفي، واسلوب يعتمد بعضا من مدارس نظريات العلاقات الدولية مثل النظرية الواقعية الهجومية والنظرية ما بعد الاستعمارية للتعرف على نظرة السياسة الخارجية الإيرانية لإفريقيا في عهد رئيسي، وإلى أي مدى ستسير في الخط المرسوم لها في ظل تراجع النفوذ الأمريكي عن القارة، وإلى مدى ستفلح إيران في توظيف تراجع الدور الإقليمي العربي في إفريقيا، وهل سيخدم رئيسي الوجود الإيراني في إفريقيا ويعظمه ليستخدمه كورقة ضغط في مفاوضات إيران مع القوى الدولية، أم يغرق في حل مشاكله مع الجوار؟

إفريقيا في السياسة الخارجية الإيرانية:

تكشف الممارسة العملية للنشاط الخارجي الإيراني عن محدد مهم في صنع السياسة الخارجية الإيرانية داخليا وخارجيا وهو المحدد الطائفي؛ فقد وظفت إيران العامل الطائفي المذهبي في بناء أساس فكري تستند إليه سياستها الخارجية تجاه العالم، بغية إنشاء بؤر موالية لها في البداية، ثم العمل من خلالها علي التغلغل في المجتمعات، وهدم هويتها الوطنية، وبناء هويات فرعية تفسح المجال أمام استكمال المشروع الإيراني، معتمدة علي حزمة من النظريات الأساسية في البناء الفكري الديني للسياسة الخارجية[1]. لكن إسباغ الطائفية بشكل أساسي على السياسة الخارجية الإيرانية، يحجب أكثر مما يكشف طبيعة سلوكياتها. لكن، وكما بات الشرق الأوسط أكثر طائفية منذ سقوط صدام حسين واندلاع الربيع العربي، انسحب الأمر نفسه أيضاً على السلوكيات الإقليمية الإيرانية. وقد قوىّ عود هذا العامل وصار أساسا للنفوذ الإيراني في المنطقة؛ فحين أصبح حلفاؤها في العراق وسورية واليمن ولبنان والبحرين في مهب التهديدات، ضاعفت طهران اندفاعتها نحو استراتيجية مناصرة الشيعة، كوسيلة لحماية مصالحها واستثماراتها الإقليمية. وهذا تجسّد بالدرجة الأولى في خطاب وسلوكيات جهاز الحرس الثوري، الذي يُعتبر المنظمة العسكرية الأبرز في إيران والأداة القيادية الأساسية في نشاطاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وكان الحرس، إضافة إلى انخراطه في نزاعات المنطقة وخارجها في إفريقيا وغيرها، باشر منذ ذلك الحين بوصف حلفائه ووكلائه على أنهم جبهة شيعية موحّدة لديها طموحات إقليمية[2].

تبدو السياسة الخارجية في الوقت الراهن ليست سَلَما لرجل، بل هي ساحة لمتشاكسين كثر، ولا يبدو في الأفق أي الملفات ستكون له أولوية التركيز ، تحسين العلاقات مع الجيران، أم مع الغرب أم مع إفريقيا، أم منطقة أخرى، برغم أن التركيز على تحسين العلاقات مع الجيران، أخذ حيزاً كبيراً من تصريحات رئيسي، وبرغم أن إيران تعتمد سياسة هجينة في نفوذها داخل أفريقيا بين المذهب الشيعي والاقتصاد والعلاقات الثقافية والدعم العسكري؛ فهي تلجأ حاليا إلى تطبيق فكرة “الجيوبوليتيك الشيعي” بسبب فشل مبدأ “تصدير الثورة”، وهي فكرة راكزة في السياسة الإيرانية منذ حرب العراق عام 2003 لاحتواء المساحة السنية الممتدة من الخليج إلى المحيط، ولتحقيق هذه الاستراتيجية تعتمد إيران على ثلاثة عوامل، هي: [3]

·        أولاً سعيها إلى أن تكون القوة الأكثر قرباً إلى أفريقيا من خلال الانتقاص من الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمات الأفريقية، وهذا التصور مقروء مع سعي الحراك الإقليمي والدولي إلى حل الأزمات في السودان وإثيوبيا ومالي والصومال وغيرها، ومع أن تدخلها جاء متأخراً فإنها إن نجحت ستعمل على تحييد الجهود الدولية لتبرز كدولة مساندة للقارة السمراء.

·        العامل الثاني وهو ديموغرافية القارة الأفريقية الجاذبة، إذ إن أكثر الطبقات من الشباب الذين يتوقع استيعابهم خلال العقد المقبل بصورة كبيرة في سوق العمل، يقابله تفشي الشيخوخة في المجتمع الإيراني، مما يهدد نظام البلاد واقتصادها.

·        العامل الثالث وهو استعداد إيران للتعامل مع أفريقيا باتباع النهج الصيني المستمد من التعاون في مجالات التنمية، مع بعض الفروق بين الدولتين، وهي أن الصين لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن إيران لن تستطيع التغاضي عن ذلك، ولكن هذه المرة على الأقل لن يكون تدخلاً صارخاً بسبب إدراكها أن هذه ربما تكون الفرصة الأخيرة للتمدد في منطقة مضطربة.

كانت سياسة إيران الخارجية تاريخيا تجاه إفريقيا مدفوعة بمبدأ النفعية وطموحات تصدير رؤيتها الثورية للعالم. لكن تبني إيران لسياسة محورية في إفريقيا كان أيضا استجابة لتلبية حاجتها إلى مقاومة العقوبات والعزلة، بواسطة بناء شراكات مع الدول، والجهات الفاعلة شبه الحكومية، وغير الحكومية في القارة[4]. لكن سيظل الأمن والسيطرة على الممرات المائية هاجسا مصاحبا للتوجه الإيراني في إفريقيا، بالتوازي مع الاقتصاد والشأن المذهبي؛ فقد أبدت إيران مثلا اهتماما متزايدا بدول القرن الإفريقي في الفترة الأخيرة، وذلك في سياق فتح المزيد من دوائر التعاون مع مختلف التجمعات لتأسيس وجود إيراني مادي على الأرض،  وبحري فعال في البحر الأحمر يقود لقناة السويس. لذا،  عملت جديا على تقوية علاقاتها بالدول الإفريقية المطلة علي البحر الأحمر، من بينها السودان،  وإريتريا،  وجيبوتي والصومال وإثيوبيا. وفي الحالة السودانية ساهمت السياسات الأمريكية تجاه هذا البلد سابقا بوصمه بالإرهاب ومحاصرته اقتصاديا وسياسيا، في أن يرتمي في الحضن الإيراني والصيني وغيره بحثا عن حليف يقارع معه العقوبات الأمريكية ويخفف من غلوائها عليه وعلى نظامه.

ولتبرير وجودها في إرتريا مثلا، وهي بلد له سواحل طويلة على البحر الأحمر، ومقابل للساحل اليمني والسعودي، صرحت إيران بأن وجود بعض قواتها العسكرية والبحرية على موانئ إريتريا هو لمكافحة عمليات القرصنة، ومن أجل حماية الممرات المائية البحرية لتأمين السفن التجارية. والحقيقة أن لإيران أهدافا مبيتة غير معلنة متعلقة بمصفاة تكرير البترول وحماية السفن. ومن بين تلك الأهداف،  تمركز إيران في أهم ممرين مائيين في العالم، مضيق هرمز، وباب المندب[5]. أما الوجود الإيراني في الصومال فيتمثل في توطيد الروابط مع شريك محلي، يتسلح بالدعم الإيراني في المجالات الهادفة والمؤثرة في المستقبل، وكذلك الاحتفاظ بالعلاقة مع الجماعات المسلحة الصوفية، واستخدامها في الوقت المناسب، وهو ما يعرض الصومال ليصبح يوما ما ورقة قد تستخدمها إيران لحفظ التوازن دوليا، فضلا عن البوارج الحربية الإيرانية المستقرة في المياه الصومالية لحماية السفن التجارية الإيرانية.

أزال إبرام الاتفاق النووي الإيراني عام 2015م -المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة-  الحرج عن عدد من القادة الأفارقة للبحث عن فرص أفضل للتعامل مع إيران، مما حد بإيران للمسارعة في تعزيز مشاركتها مع إفريقيا، وسعِت في الوقت نفسه إلى بناء “عمق إستراتيجي” في جميع أنحاء القارة لتعزيز النفوذ الإيراني. لكن انسحاب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وأعادة نظام العقوبات ضد إيران في عام 2018 جعل إيران تسارع للحفاظ على العلاقات مع الدول الإفريقية. ورداً على ذلك، دعا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى سياسة “محور إفريقيا” للتحايل على العقوبات والإفلات من شِراكها[6].

تؤكد بعض شواهد الأحداث أن قارة أفريقيا ستظل في دائرة السياسة الخارجية الإيرانية في إطار محاصرة أعدائها؛ فالتمدد الإيراني في أفريقيا هو جزء من تطويق إسرائيل، إلى جانب غايات اقتصادية وسياسية أخرى لإيران[7]؛ فالسنغال الواقعة في غرب أفريقيا مثلا هي نقطة أخرى مهمة، إذ تتمتع داكار في الأعوام الأخيرة بعلاقات وثيقة مع طهران، وهي نوع من المحور الدبلوماسي الإيراني في أفريقيا، وتجري معظم الأنشطة الثقافية والسياسية والدبلوماسية الإيرانية في أفريقيا عبر داكار. وخلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، تبرّعت طهران بخط إنتاج سيارات “سمند” لتوسيع نفوذها في البلاد، لكن على الرغم من استثمار 100 مليون دولار، ظل خط الإنتاج غير نشيط، بسبب عدم قدرة الشبكة الكهربائية في السنغال على توفير الطاقة المطلوبة[8].

لكن مع ذلك من المؤكد أن إيران تحتاج أيضا لمراجعة وتقوية تطلعاتها ونفعيتها الثورية -وليس رؤيتها الإستراتيجية الشاملة- كدافع وراء سياساتها في إفريقيا، حتى لا تقع في المستنقعات الموحلة في كل أنحاء القارة، كما يبدو أن إيران ورغم وجود الطويل في إفريقيا تفتقر للفهم الكافي والعميق لإفريقيا وتعقيداتها، وهو ما قد ينجم عنه غالباً “تبني نهج مجزأ وتجريبي لبسط نفوذها في القارة”[9].

إفريقيا في عقل رئيسي.. الاقتصاد أم الأيديولوجيا:

يظهر جليا أن إبراهيم رئيسي نشط منذ وقت مبكر من ولايته في دفع الملف الإفريقي؛ ففي يومه الثالث في المنصب دعا إلى زيادة التعاون مع أفريقيا واعترف بقدراتها المادية والبشرية. وفي 6 أغسطس/ آب 2021، ألقى رئيسي الرسالة نفسها، وزاد عليها أن تعزيز العلاقات سيكون أولوية في السياسة الخارجية لبلاده، وأن حكومته ستُفعَّل بجدية جميع إمكانات التعاون مع الدول الأفريقية، وذلك أثناء اجتماعه مع رئيس الجمعية الوطنية لغينيا بيساو، سيبريانو كاساما، ووزير خارجية توجو، روبرت دوسي. وفي 22 فبراير/شباط 2022 التقى رئيسي نظيره الموزمبيقي، فيليب نيوسي، وأعرب له عن استعداده لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري مع موزمبيق وغيرها من البلدان الأفريقية، فضلًا عن تزويدهم بقدر أكبر من نقل التكنولوجيا والمعرفة التقنية، وفي كلٍ من الاجتماعَيْن أكد رئيسي أن إيران صديق حقيقي وشريك فعلي في مساعدتها على تحقيق الرفاه والتنمية والاستقلال والتقدم[10].

قد تكون اجتماعات رئيسي وتصريحاته مع المسؤولين الأفارقة، على النقيض من التصور الشائع، أنها لم تكن جزءا من مشروع هيمنة لتوسيع النفوذ الإيراني في أفريقيا؛ بل شكَّلت جهداً لإعادة ضبط العلاقات مع القارة بعد أن أمضى سلفه حسن روحاني (2013-2021) ثماني سنوات في تجاهلها، وحتى الآن، التقى رئيسي فقط بمسؤولين من دول ذات أهمية تجارية من المستويين الثاني والثالث من حيث التجارة الثنائية مثل موزمبيق وتوجو، على الرغم من أن لهم أهمية تاريخية ودبلوماسية وإستراتيجية أخرى. لكن السؤال هل سيميز رئيسي نفسه عملياً عن سلفه من خلال إعطاء الأولوية لأفريقيا واستعادة العلاقات مع الحلفاء القدامى وكبار الشركاء التجاريين الذين قطعوا العلاقات مع إيران في عام 2016. لذا من المحتمل أن رئيسي يطمح إلى إعادة العلاقات بين إيران وأفريقيا على خلفية إهمال بلاده لأفريقيا وفقدان الحلفاء القدامى وكبار الشركاء التجاريين في القارة في عهد روحاني. لكن حتى الآن، يبدو أن هذا الجهد قد حقَّق تقدماً محدوداً.

مما يؤكد اهتمام حكومة رئيسي بأفريقيا ترأُس نائب الرئيس الإيراني، محمد مخبر، فريق عمل خاص بالترويج للصادرات الإيرانية إلى أفريقيا؛ حيث تعتزم إيران زيادة تجارتها مع الدول الإفريقية إلى حوالي 5 مليارات دولار سنويًّا، حيث تظل الأسواق الإفريقية الخيار الأفضل للصادرات الإيرانية، خاصة أن هذه الأسواق لن تتشدد في البحث عن المعايير القياسية؛ بل ستقبل أي منتج رخيص يلبي احتياجاتها، ولذلك تضع حكومة “رئيسي” هذه الأسواق هناك ضمن أولوياتها الاقتصادية. وقد كشف عضو لجنة البرنامج والميزانية في البرلمان الإيراني، مجتبي رضا خواه، أن حجم صادرات إيران إلى أفريقيا قد بلغ نحو 800 مليون دولار العام الماضي، رغم ظروف وباء كورونا، ما يدل على أهمية القارة الأفريقية في برنامج إيران الاقتصادي[11].

أكد رئيسي في أكثر من مناسبة أن تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية من أولويات السياسة الخارجية لبلاده، وأن ايران تدعم استقلال وتنمية الدول الافريقية، وستتابع بقوة تطوير التعاون مع الدول الافريقية في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية، وبمثل ما تعبر مثل هذه التصريحات من الرئيس الإيراني عن مناصرة لدول القارة السمراء؛ لكنها تكشف عن أهداف إيران من هذا الوجود داخل أفريقيا؛ حيث ترغب في تنصيب نفسها بديلًا للقوى الغربية، كما استغلَّت إيران الفراغ الثقافي والاجتماعي، وحتى السياسي، الذي أحدثه البعد العربي عن الساحة الإفريقية[12].

من متابعة نشاط وتصريحات وزير الخارجية في حكومة رئيسي حسين أمير عبد اللهيان، يبدو أنه أكثر حرصا على إعطاء الأولوية للعلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة وآسيا، مما قد يعني أن الحديث عن أولوية إفريقيا في علاقات إيران الخارجية خلال عُهدة رئيسي قد يكون مجرد أحاديث دبلوماسية، برغم أن عودة التيار المحافظ إلى السلطة بعد ثماني سنوات من حكم الإصلاحيين، سيفتح مساحات كبيرة للتقارب والتنسيق اللصيق بين الحرس الثوري ورئيسي، وهو ما يعني أن الحرس الثورى سيكون له حضور ما في إفريقيا، حيث أن المهمة الحالية لفيلق القدس هي أن يكون له تأثير دائم في القارة.

خاتمة:

مواصلة السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رئيسي في اهتمامها الخاص بإفريقيا، ومواصلتها في محاولات توسيع نطاق نفوذ إيران في القارة، تبدو ظاهرة للعيان، ومن التصريحات والمواقف المتفرقة لرئيسي وأصحاب الشأن في الحكومة الإيرانية، وستعتمد إيران سياسة مختلطة في نفوذها داخل أفريقيا تجمع بين المذهب الشيعي والاقتصاد والعلاقات الثقافية والدعم العسكري، والاستجابة للهواجس الأمنية حول الممرات المائية وحركة التجارة في البحار الإفريقية، وستكون إيران أشد حرصا على بقاء نفوذها في اليمن من أجل الوصول إلى أفريقيا، رغم تلويحها بالتقارب مع جيرانها وعلى رأسهم السعودية، ويبدو أنها ستطرح صيغة تقارب تحول دون نفض يدها من اليمن، أو على الأقل تتعهد بألا تصل الأسلحة الحوثية إلى العمق السعودي.

يحتاج رئيسي لكي يتوغل في إفريقيا برفق، أن يجنح للتخفيف من حدة الخطاب المعادي للإمبريالية لمنح الدول الإفريقية المرونة الدبلوماسية ورأس المال الجيوسياسي لمتابعة علاقات أوثق مع إيران، دون استعداء الغرب والمخاطرة بفقدان مساعداته واستثماراته وتجارته، بجانب المضي قدما في التنفيذ الحرفي لمذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية الأخرى مع الدول الإفريقية التي أصيب بعضها بخيبة أمل من وعود إيران الجوفاء وبُخلها بتنفيذ الالتزامات التي قطعتها على نفسها.

ليس من المؤكد -حتى الآن- ما إذا كان رئيسي سيعطي الأولوية لأفريقيا؛ فهو مثلا قد زار جنوب أفريقيا ودول أفريقية أخرى حينما كان مرشحًا رئاسيًّا في مايو/أيار 2017، على عكس سلفه الذي لم يزر إفريقيا أبدا، لكن التواصل الدبلوماسي الذي أطلقه رئيسي مع أفريقيا يمكن النظر إليه كمحاولة جادة لإعادة العلاقات مع القارة، والذي قطع معظمها بسبب إهمال سلفه والتعاون والمساعدة من السعودية وغيرها ، ولكن الوقت والنشاط الاقتصادي والدبلوماسي القادم لرئيسي هو ما سيحدد إلى أي مدى توجد إمكانية في حدوث اختراق في استعادة وبناء العلاقات مع الحلفاء القدامى والجدد وكبار الشركاء في القارة.

المراجع:

1- بنده يوسف، حكومات تتغير وأهداف ثابتة.. ما وراء استراتيجية إيران في أفريقيا، مركز فاروس للدراسات،22/2/2022، شوهد في  8/8/2022، في: https://pharostudies.com/?p=9438   .

2- بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه إفريقيا، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، شوال ١٤٤٢هـ – يونيو ٢٠٢١م.

3-  فريدة بنداري، سياسة إيران تجاه إفريقيا من منظور الجيواستراتيجية المذهبية، السياسة الدولية، العدد 219،  يناير(2020).

4- مجتبی دهقاني، ماذا يفعل فيلق القدس الإيراني في أفريقيا؟، موقع إندبندنت عربية، 7 /5/ 2021، شوهد 22/8/2022، في https://www.independentarabia.com/node/219756

5- معتصم صديق عبد الله، الوجود الإيراني في إفريقيا.. الدوافع والأهداف، موقع رصانة، 28/11/2016، شوهد في 2/3/2022، في  https://rasanah-iiis.org/?p=3253   .

6- منى عبد الفتاح، ما هي أسباب عودة إيران لتعزيز الاتجاه نحو أفريقيا واحتمالات نجاحها؟، موقع إندبندنت عربية، 31/1/2022،شوهد في  28/8/2022 ، في  https://www.independentarabia.com/node/299751  .

أجنبية:

1-   Afshon Ostofar ,Sectarian Dilemmas in Iranian Foreign Policy: When Strategy and Identity Politics Collide, 2016/11/30 , In: https://carnegieendowment.org/2016/11/30/sectarian-dilemmas-in-iranian-foreign-policy-when-strategy-and-identity-politics-collide-pub-66288 .

2- Eric Lob, Iran-Africa relations under Raisi: Salvaging ties with the continent,  11 April 2022 , In https://www.mei.edu/publications/iran-africa-relations-under-raisi-salvaging-ties-continent .

[1]- فريدة بنداري، سياسة إيران تجاه إفريقيا من منظور الجيواستراتيجية المذهبية، السياسة الدولية، العدد 219،  يناير(2020)،ص 16.
[2] –  Afshon Ostofar ,Sectarian Dilemmas in Iranian Foreign Policy: When Strategy and Identity Politics Collide, 2016/11/30 , In: https://carnegieendowment.org/2016/11/30/sectarian-dilemmas-in-iranian-foreign-policy-when-strategy-and-identity-politics-collide-pub-66288    .
[3]- منى عبد الفتاح، ما هي أسباب عودة إيران لتعزيز الاتجاه نحو أفريقيا واحتمالات نجاحها؟، موقع إندبندنت عربية، 31/1/2022،شوهد في  28/2/2022 ، في  https://www.independentarabia.com/node/299751 .
[4]- بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه إفريقيا، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، شوال ١٤٤٢هـ – يونيو ٢٠٢١م، ص 8.
[5]- بنداري،ص 29.
[6]-  نوش، ص 10.
[7]-  بنده يوسف، حكومات تتغير وأهداف ثابتة.. ما وراء استراتيجية إيران في أفريقيا، مركز فاروس للدراسات،22/2/2022، شوهد في  8/4/2022، في: https://pharostudies.com/?p=9438  .
[8]- مجتبی دهقاني، ماذا يفعل فيلق القدس الإيراني في أفريقيا؟، موقع إندبندنت عربية، 7 /5/ 2021، شوهد 22/5/2022، في https://www.independentarabia.com/node/219756
[9]-  نوش، ص 9.
[10] – Eric Lob, Iran-Africa relations under Raisi: Salvaging ties with the continent,  11 April 2022 , In https://www.mei.edu/publications/iran-africa-relations-under-raisi-salvaging-ties-continent

[11]- بنده يوسف، حكومات تتغير وأهداف ثابتة.. ما وراء استراتيجية إيران في أفريقيا، مركز فاروس للدراسات،22/2/2022، شوهد 8/4/2022، في: https://pharostudies.com/?p=9438  .
[12]- معتصم صديق عبد الله، الوجود الإيراني في إفريقيا.. الدوافع والأهداف، موقع رصانة، 28/11/2016، شوهد في 2/3/2022، في https://rasanah-iiis.org/?p=3253  .

Print Friendly, PDF & Email