النفوذ السعودي في العالم الأكبر منذ تأسيس المملكة

تعزز مسار رفع نسبة الاكتفاء الذاتي وتقليص التبعية وزيادة الحضور التجاري والدبلوماسي في العالم أحداث مهمة

8 مايو، 2023


الكويت، 7 مايو 2023 (MenaCC): في حين تراجعت حاجة السعودية للولايات المتحدة على المستوى العلاقات الدفاعية والاقتصادية، زاد انفتاح الرياض على احداث علاقات متوزانة مع الشرق مثل الغرب. هذا التحول في السياسة الخارجية السعودية يمثل تحذيرا للولايات المتحدة بأهمية مراجعة جدوى التعاون المشترك على أساس توازن المصالح. في حين تبرز توصيات من دوائر الفكر الأمريكية للبيت الأبيض بعدم المجازفة بخسارة أهم حليف الشرق الأوسط بعد اسرائيل.

توسعت مساحات النفوذ السعودي في خارطة  العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. توسع النفوذ اعتمد بشكل رئيسي على سياسة القوة الناعمة حيث زاد تقارب المصالح بين المملكة وبلدان العالم معتمدة في ذلك على الديبلوماسية الاقتصادية والشعبية ومستفيدة من تعزز دور الرياض كداعم للسلام والتنمية واغاثة الشعوب في العالم، الأمر الذي مهد أرضية جديدة لوجود المملكة بين القوى العالمية المؤثرة. 

وقد بدأت المملكة تستغني عن بعض حاجاتها خاصة من الأسواق الدولية لتنتجها محلياً، علاوة على تقليص اعتمادها على حلفائها في الأمن والدفاع، يأتي هذا في ظل سعي حثيث لتنفيذ رؤية طموحة بالانتقال الى مرحلة القوة الفاعلة وذلك بداية من رفع نسبة الاكتفاء الذاتي الشامل وغزو الأسواق العالمية بمنتجات سعودية غير نفطية ومبتكرة.

ولعل انخفاض التبعية تجارياً وعسكرياً مقابل زيادة نسب الاكتفاء الذاتي[1] في مجالات مختلفة كالإنتاج الصناعي والزراعي والدفاعي وتحقيق نهضة علمية وتكنولوجية واقتصادية متكاملة، مكّن السعودية من فك الارتباط بمنظومة التبعية للأسواق الدولية والقوى العظمى. حيث باتت المملكة تملك وسائل القوة التي أصبحت بفضلها تؤسس لعلاقات ندية مع مختلف دول العالم على أساس مصالح السعودية أولاً.

وتشهد السعودية منذ سنوات نهضة صناعية كبرى[2] حيث أنها بصدد بناء مشروعات ضخمة قد تجعل ارتباط المملكة بالنفط من الماضي في ظل التنوع الخدمات والمشاريع المستقبلية.

توسع شبكة التمثيل الديبلوماسي والاقتصادي في دول العالم[3]، يعتبر الأكبر منذ تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة في 1932. فالنهضة السعودية باتت تحركها إرادة سياسية شابة وطموحة تسعى لتغيير تموقع المملكة العالمي الى مصاف أهم مراكز القوة والنفوذ اقليمياً ودولياً. ولذلك أتى اهتمام المملكة بتنوع وتعدد تحالفاتها مع الحفاظ على سياسة مسافة واحدة من الشركاء وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وربط العلاقات بازدهار الشعوب.

وقد زاد عدد أصدقاء وحلفاء وشركاء السعودية خلال الخمس سنوات الأخيرة والتي ميزت عهد انفتاح المملكة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا واعلاميا مع الترويج لها كوجهة سياحية وثقافية عالمية صاعدة. وبذلك سمحت بداية انفتاح المملكة على السياحة والتجارة والاستثمارات مع دول مختلفة في العالم بكسب السعودية مساحات نفوذ وتأثير جديدة في العالم[4].

ويعتبر الاعلام الدولي السعودية بالمركز المحوري في توازنات النظام العالمي الجديد الذي بصدد التشكل بضغط من روسيا والصين ودول آسيوية بدأت في التخلي التدريجي عن التعامل بالعملة الأمريكية الدولار رفضاً للهيمنة التاريخية لواشنطن على الاقتصاد العالمي والسلم الدولي. ومن غير المستبعد دعوة المملكة للانضمام لمجموعة بريكس[5] التي تنافس مجموعة السبع الكبار. كما انها عضو بارز في مجموعة العشرين. ولعل اهتمام المملكة بمنظمة بريكس وهي منافس لمجموعة السبع الكبار يوضح توزان سياسات المملكة في عدم الاصطفاف في أي محور والانفتاح على التعامل مع الجميع تحت مبدأ تحقيق المصالح والتنمية والسلام.

اهتمام السعودية بالانضمام الى منظمة بريكس التي تسعى لتكون قطبا عالميا جديدا يضم الدول النامية الصناعية الصاعدة والتي تمهد للتخلي عن الدولار في معاملاتها التجارية، يعكس مدى حرص المملكة على المحافظة على التمثيل في اغلب مراكز القوة والنفوذ العالمي بعد مجموعة العشرين.

وحيث تظهر ملامح عالم متعدد الأقطاب تسعى دول عربية أن تكون أحد هذه الأقطاب الصاعدة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. فقد باتت الرياض تملي شروطها وتفرض أولوية مصالحها في مسار تحالفاتها الدولية والإقليمية. وعلى الأرجح أن يكون للمملكة دور فاعل في النظام العالمي الجديد الذي بصدد التبلور رغم ممانعة واشنطن حدوث ذلك.

الولايات المتحدة يبدو أنها فقدت جزء من قدرة التأثير على خيارات وسياسات حلفائها الذين اكتسبوا بعض الجرأة في اعلان بداية الطريق نحو الاستقلالية عن الهيمنة الأمريكية. وباتت هناك مسافة بصدد الاتساع بين واشنطن وحلفائها خاصة على مستوى الخيارات الاستراتيجية والتحالفات وخارطة المصالح. ومن غير المستبعد أن تنشأ علاقات تنافس أكثر منها تبعية بين البيت الأبيض والقوى الحليفة له خاصة في أوروبا والشرق الأوسط والخليج.

وفي حين تسجل السعودية نمو سنوياً في معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، زاد عدد شركاء السعودية التجاريين في العالم حيث توسعت تجارة المملكة لتشمل أغلب أجزاء المعمورة. كما زاد عدد التمثيليات الديبلوماسية في العقد الأخير.

وتسابق المملكة الزمن لتحقيق إصلاحات طموحة في رؤية 2030، حيث تسعى حكومة المملكة العربية السعودية إلى تحفيز الاستثمار الأجنبي في القطاعات المزدهرة مثل البنية التحتية والسياحة والترفيه والطاقة المتجددة[6]. وتهدف المملكة إلى أن تصبح مركزًا رئيسيًا للنقل والخدمات اللوجستية يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. تشمل مشاريع البنية التحتية المتعلقة بهذا الهدف “مدنًا اقتصادية” مختلفة ومناطق اقتصادية خاصة، والتي ستكون بمثابة محاور للبتروكيماويات والتعدين والخدمات اللوجستية والتصنيع والصناعات الرقمية. تخطط المملكة لمضاعفة حجم مدينة الرياض وترحب بالاستثمار في مشاريعها الضخمة التي تقدر بمليارات الدولارات بما في ذلك مشروع (نيوم) ومشروع البحر الأحمر، ومثل هذه المشاريع تعتبر قاعدة انطلاق صناعة السياحة الناشئة. اذ تعمل المملكة على تطوير البنية التحتية السياحية في المواقع الطبيعية، مثل العلا مع زيادة مبادراتها لاستضافة الفعاليات السياحية والثقافية في جميع أنحاء البلاد.

منذ 2015 تضاعفت تقريبا قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي للمملكة من 650 مليار دولار الى نحو أكثر من تريليون دولار في 2022[7]. وهو ما يعكس حصيلة النهضة السعودية التي اعتمدت تطوير القدرات المحلية وتنويع اقتصادها وتحفيز الابتكار والتحول الرقمي لتقليص اعتمادها على الخارج، فوق ذلك اختارت استباق التحولات المناخية بحلول مستدامة، فضلاً عن تعزيز أمنها القومي برفع ترسانة قدراتها الدفاعية والأمنية وزيادة تصنيعها محلياً، كل هذه الأهداف تتبع رؤية طموحة تتطلع للتغيير وتتمسك بالهوية وبثوابت الوحدة الخليجية والعربية.

التأثير السعودي عالمياً تخطي أسواق الطاقة

التأثير السعودي عالمياً تخطي أسواق الطاقة أخيراً ليصل اليوم الى ساحة صناعة القرار الدولي وصنع السياسات والعلاقات الدولية. الحرب في أوكرانيا كشفت منحى استقلالية خيارات المملكة في الوقوف على مسافات مختلفة من شركائها الدوليين بحسب أولوية مصالحها. التقارب السعودي مع الصين وروسيا والتفاهمات مع إيران تفتح الباب لرغبة سعودية جامحة في استقلالية سياستها الخارجية بعيدا عن الهيمنة الأمريكية. حيث تبحث المملكة عن مصالحها بغض النظر عن تصادمها مع مصالح القوى العظمى، اذ أن سياستها ترسم للمملكة التحول لقوة تفرض التعامل بندية مع الدول الكبرى.

تحول الصين لأكبر شريك تجاري للمملكة يزيد انفتاح السعودية على الشركاء الأسيويين. الانفتاح أيضا بوتيرة متسارعة نحو القارة الافريقية، حيث زاد عدد الشركاء التجاريين الافارقة للمملكة[8]. بفضل هذا الانفتاح على التعامل والتبادل مع دول العالم[9]، قفزت قيمة صادرات المملكة متخطية قيمة الواردات التي بدورها في تراجع بعد الزيادة التدريجية في نسبة الاكتفاء الذاتي.

الرهان على انعاش السياحة في المملكة من شأنه أيضاً أن يعزز رواج السعودية كوجهة للأعمال والترفيه والاستثمار، وهو ما دفع لزيادة اهتمام المستثمرين بمشاريع المملكة والتي قد تدعم جهود تنويع موارد الدولة وأيضا تسمح بترسيخ صداقات متينة ومصالح راسخة ومربحة مع شركاء جدد في العالم.

كما سمحت سياسات السعودية المعولة على دعم النهضة العلمية والبحث والابتكار بتطوير كفاءات وقدرات نجحت في التنافس عل تطوير خدمات ومنتجات بمعايير عالمية. سياسة استباق التحديات والحرص على رفع معايير الجودة سمحت بدوها بتعزز مكانة السعودية الدولية وحفز الثقة في قدراتها وبنيتها التحتية والثروة البشرية المتوفرة.

في عام 2021، كانت المملكة العربية السعودية أكبر مستورد في العالم لتخفيضات الحديد (1.84 مليار دولار)، والدبابات والمركبات المدرعة (1.56 مليار دولار)[10]، يتضح من ذلك أن المملكة بصدد التحضير والاستعداد لنهضة نوعية في اقتصادها وقدراتها الدفاعية. النهضة الصناعية التي تشهدها المملكة سمحت بتوسّع خارطة شركاء المملكة التجاريين وتوسّع مصالحها، وهو ما عزّز من توسّع نفوذ المملكة تجارياَ فضلا عن النفوذ منقطع النظير في سوق الطاقة.

وبفضل سياسات وخطط تنموية تترجم خارطة طريق تحول المملكة الى قوة اقليمية وعالمية صاعدة، زاد حضور المملكة الديبلوماسي والتجاري في مناطق العالم. كما ارتفع معدل التبادل التجاري بين المملكة ودول العالم[11] في مقابل رصد انخفاض مستويات التبعية لعدد من الأسواق الدولية في عدد من المنتجات والسلع التي باتت السعودية ترفع نسبة الاكتفاء الذاتي في انتاجها محليا.

الرهان على تعزيز نسبة الاكتفاء الذاتي

عززت المملكة مقومات اكتفائها الذاتي وقلصت من اعتمادها المفرط على القوى العظمى دفاعيا وتجاريا. حيث تنوعت شراكات المملكة وتوسّعت في أغلب خارطة دول العالم. ورغم تقلص واردات بعض القوى الكبرى كالولايات المتحدة من النفط السعودي، لم يختل الميزان التجاري كثيراً، حيث نجحت المملكة في تنويع منتجات تنافسية غير نفطية موجهة للتصدير، وهو ما تترجم في ارتفاع الصادرات غير النفطية للمملكة بوتيرة مضطردة خلال السنوات الأخيرة.

كما أن خيارات تنويع موارد الاقتصاد السعودي وتقليص تعويله على إيرادات النفط والمنتجات البترولية، باتت تعطي ثمارها مع الارتفاع المستمر لحجم وقيمة التبادل التجاري غير النفطي للمملكة[12]. وهو ما يعزز فرص الاستقرار خاصة مع أولوية رفع التحديات التي تفرضها متغيرات أسواق الطاقة ومخاطر التغيرات المناخية وتغيرات حاجة الأسواق العالمية. حيث نجحت المملكة في عدد من السلع ضمن تبادلها التجاري مع دول العالم التحول من مستورد الى مصدر. فضلا عن ارتفاع التعويل على الكفاءات المحلية وتوسيع الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي. ولعل نمو النتاج المحلي الإجمالي للمملكة يترجم نجاح خطط السعودية في بناء قوة اقتصادية عالمية صاعدة. يحدث ذلك توازياً مع اختراق المملكة لتكنولوجيا الإنتاج الرقمي المتطور والانتاج العسكري في ظل مساع حثيثة لتحقيق الاكتفاء الذاتي للقدرة الدفاعية.

 

2023 ©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية MenaCC

 

المراجع:

[1] Reuters, Saudi crown prince: Kingdom has increased self-sufficiency in military industries to 15%, 2022, https://www.reuters.com/world/middle-east/saudi-crown-prince-kingdom-has-increased-self-sufficiency-military-industries-15-2022-09-27/
[2] Sidf, Industry in Focus 2020, https://www.sidf.gov.sa/en/Documents/SIDF%20final%20by%20page%20300820.pdf
[3] Sawsan Jabbar Abdul Rahman, Diplomatic Representation in the kingdom of Saudi Arabia: A Historical Study of its Emergence and Development up to the year 1953, Feb 24, 2021, https://jtuh.org/index.php/jtuh/article/view/543
[4] Nicolás M. Depetris Chauvin,The Rise of the Gulf: Saudi Arabia as a Global Player, https://www.kas.de/c/document_library/get_file?uuid=95fde250-c6a5-3da6-f724-1bc080781bd2&groupId=252038
[5]  Ben Aris, BRICS bloc advances another step as Saudi Arabia joins China’s SCO, April 6, 2023, https://intellinews.com/brics-bloc-advances-another-step-as-saudi-arabia-joins-china-s-sco-275267/
[6] Oxfordbusinessgroup report, Saudi Arabia’s ambitious tourism projects attract foreign investment, https://oxfordbusinessgroup.com/reports/saudi-arabia/2022-report/tourism/making-headway-ambitious-projects-aim-to-make-the-kingdom-a-destination-for-a-wider-variety-of-foreign-investment-and-visitors/

[7] Saudi GDP Exceeds $1 Tln, Shows Kingdom’s Economy Is on Right Track, 2023, aawsat, article, https://english.aawsat.com/home/article/4215696/saudi-gdp-exceeds-1-tln-shows-kingdom%E2%80%99s-economy-right-track
[8] Gareth Hodder, Africa and the Gulf States herald a new era in trade and investment relations, Dec 2022, https://www.whitecase.com/insight-our-thinking/africa-focus-winter-2022-africa-and-gulf-states
[9] worldbank, saudi trade partners, 2020, https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/Country/SAU/Year/LTST/TradeFlow/EXPIMP/Partner/by-country
[10] Oec,Tanks-and-armored-vehicles, https://oec.world/en/profile/hs/tanks-and-armored-vehicles
[11] worldbank, saudi trade partners, 2020, https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/Country/SAU/Year/LTST/TradeFlow/EXPIMP/Partner/by-country
[12] Fakhri Javanshir Hasanov, Muhammad Javid, Saudi Non-Oil Exports before and after COVID-19: Historical Impacts of Determinants and Scenario Analysis, February 2022, https://www.researchgate.net/publication/358710719_Saudi_Non-Oil_Exports_before_and_after_COVID-19_Historical_Impacts_of_Determinants_and_Scenario_Analysis

 

Print Friendly, PDF & Email