كيف نجحت الامارات في تطويق وباء “كورونا” في مراحله الأولى؟

بفضل تواجد إدارة استباقية لمواجهة الكوارث كانتشار الأوبئة أحداث مهمة

16 مارس، 2020


–          الأمن الوقائي الاماراتي الأنجع عربياً في تطويق “كورونا”

–         الامارات بين أكثر الدول سيطرة على  تفشي “كورونا”

–         الامارات تعتمد الذكاء العلمي لمواجهة “كورونا”

–         وتيرة الإصابات بالفيروس في دولة الإمارات الأبطأ عربيا قياساً بمدة ظهوره

–         الامارات تستعين بتقنيات الذكاء الاصطناعي في مواجهة وباء كورونا والوقاية منه

 

16 مارس 2020

قسم أبحاث ورصد المخاطر، مركز (MenaCC)

ملخص التقرير : نجحت الامارات العربية المتحدة في احتواء واستيعاب المراحل الاولى لذروة انتشار وباء كورونا (كوفيد 19) بعد مرور أكثر من شهر ونصف منذ تسجيل أولى الإصابات به والتي حملها أشخاص قادمون اغلبهم من بؤر موبوءة خاصة إيران.

وحسب مسح لاهم مراحل تطور الوباء وظهوره في الامارات وبقية دول العالم العربي أعده مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) فقد اعتبرت نسبة تفشي عدوى فيروس كورونا في المناطق الاماراتية الأقل تمدداً عربياً مقارنة بمراحل ظهور الوباء.

وقد تمكنت الامارات من تخفيف حدة انتشار الوباء بفضل استراتيجية الأمن القومي الاماراتي للوقاية من الكوارث والأزمات التي حفزتها مسبقاً الاستعدادات لتنظيم معرض اكسبو 2020، فضلاً عن توجه منذ سنوات لتعزيز كفاءة إدارة الازمات وتأسيس فرق متخصصة لإدارتها، مع تسخير جهود الدولة ودمجها بشكل منسجم في آلية واحدة لتخطي المراحل الأولية الخطيرة لانتشار الوباء وتطويقه الى حد اليوم بدون الإضرار بشكل واسع بالاقتصاد والحياة اليومية كما يحدث في دول أخرى.

كما أسهمت زيادة وعي المواطنين والمقيمين وامتثالهم للقوانين والإجراءات كالحجر الصحي في عدم تسجيل مظاهر هلع وخوف، وهو ما ساعد على نجاح استراتيجية الأمن الوقائي للحد من انتشار الوباء.

وبفضل تصنيفها بين أكثر الدول العربية قدرة على مواجهة الكوارث والأزمات على غرار الهجمات البيولوجية والإشعاعات والأوبئة، استطاعت خطة الأمن الوقائي في الامارات السيطرة على انتشار وباء كورونا منذ الأسبوع الأول لظهور إصابات بمختلف الامارات. وأظهرت أجهزة الدولة قدرة على التحرك والتنسيق مع بقية القطاعات الخاصة والحكومية في إدارة ازمة انتشار الوباء والتخفيف من حدة تداعياته.

ويميل معدل تصنيف اجمالي المخاطر في دولة الإمارات العربية المتحدة الى متوسط ​​منخفض. اذ يرتفع مؤشر السلامة فيها الى معدل 72 من واقع(100)[1] وتعتبر الامارات بين أكثر دول العالم تطويرا للبنى التحتية ومنظومة الأمان وسلامة المقيمين على أراضيها خاصة بتعزيز الخدمات الصحية ومرافق الطوارئ وسرعة التدخل لمعالجة الأزمات. اذ تمتلك الامارات ثاني أفضل مستشفيات حكومية وخاصة على المستوى العربي بعد السعودية[2]. حيث تتصدر المستشفيات والمعاهد والمراكز والمصحات الطبية في المملكة العربية السعودية ترتيب أفضل المشافي الطبية في العالم العربي والشرق الأوسط، وبين المراتب الأولى عالمياً.

الامارات تعتمد الذكاء الاصطناعي لمواجهة كورونا

بفضل زيادة تعويل دولة الامارات على تقنيات الذكاء الاصطناعي لمواجهة المخاطر والكوارث كالأوبئة، وفرت الحكومة الاماراتية آليات تسهل المراقبة والتبليغ عن أي مخاطر محدقة باي مواطن على غرار الإصابة بأعراض (كوفيد 19) من أجل سرعة التدخل لمعالجة المصابين أو منهم بحاجة لخدمات الإغاثة الطبية العاجلة.

وتعتمد الإمارات على الذكاء الاصطناعي والعلمي لمواجهة وباء كورونا المستجد وذلك من خلال توفير خدمات طبية افتراضية لمنهم يشعرون بأعراض الفيروس. حيث زادت خدمات التفاعل الافتراضي بين وزارة الصحة الإماراتية والمواطنين عبر خدمات وتطبيقات صحية على الهواتف الذكية للمواطنين والمقيمين تقدم لهم نصائح وارشادات حول التعامل مع أعراض الوباء وسرعة التدخل لرعاية منهم يعانون من اعراض جسيمة.

حيث وفرت وزارة الحصة الإماراتية طبيا افتراضيا للمعالجة والنصح عن بعد لمن يشتكون من اعراض الوباء او من يستفسرون من اجل الوقاية[3]. كما وفرت الامارات الرعاية المتنقلة المنزلية عبر التفاعل مع عدد من المرضى عبر الهواتف الذكية وتوفير خدمات ذات جودة عالية لكبار السن من المواطنين المرضى وأصحاب الهمم الذين لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات ً الصحية، للمحافظة على هيبتهم وخصوصيتهم وتعزيز شعورهم بالأمان والمساندة وسط أجواء عائلية، ويسهم ذلك أيضا في تقليل العبء على المستشفيات والحد من مضاعفات الأمراض المزمنة من خلال متابعة المرضى في منازلهم. [4]

محدودية انتشار كورونا في الامارات بفضل كفاءة إدارة الازمة

تعتبر الامارات من بين أفضل دول العالم والعالم العربي على مستوى توفر التشريعات والمؤسسات والمرافق والبنى التحتية والأجهزة المتخصصة وسرعة التدخل وإدارة الازمات والكوارث الإنسانية الطارئة كالأوبئة او الحروب البيولوجية، حيث تتوفر اغلب الخدمات الصحية ومرافق الطوارئ، كما تعتبر الإمارات بين أكثر دول الشرق الأوسط التزاما بتطبيق القوانين وإنفاذها، وهذا ما يعني أن سكان الامارات قد يكونون بين أكثر الشعوب العربية امتثالا لتطبيق إجراءات الحجر الصحي للوقائية من انتشار وباء كوفيد 19.

واعتمدت الامارات على تسخير كل جهود الدولة ودمج جل أجهزتها في إدارة منسجمة لأزمة انتشار وباء كورونا على جل المستويات مع الحد الأدنى من التداعيات على أنشطة الدولة الحيوية. بالإضافة الى رصد انسجام وتفاهم وتعاون تام بين صناع القرار أثناء الأزمة.

وفي حين انتشر وباء كورونا المستجد سريعاً في دول عربية وارتفعت حالات المصابين في مدة قياسية من أسبوع الى أسبوعين الى 3 أسابيع على أقصى تقدير، كانت وتيرة الإصابات بالفيروس في دولة الإمارات الأبطأ عربيا قياساً بمدة ظهور الفيروس في أواخر يناير الماضي، اذ كانت الامارات من أوائل الدول العربية التي وصلتها العدوى بالفيروس (كوفيد 19).

وأظهرت إدارة أزمة انتشار وباء كورونا في الامارات كفاءة في سرعة استيعاب الوباء وابطاء انتشاره طيلة نحو شهر ونصف. حيث أثبتت استراتيجية الأمن الوقائي الاماراتي قدرة عالية على احتواء وباء كورونا قبل تفشيه مقارنة بدول أخرى، وتعتبر نسبة تمدد انتشار الوباء في الامارات الأقل عربيا بالمقارنة بفترة ظهوره حيث لم يتعدى عدد حالات الإصابات المؤكدة 86 حالة فيما مثل للشفاء نحو 23 حالة وبذلك تعد الامارات الأكثر تقدما عربيا في تطويق الوباء وعلاج اعراضه وعدم تسجيل أي حالة وفاة الى حد اليوم.

وقد تمكنت جهود احتواء الوباء في الامارات من عدم تعريض جل مرافق الدولة والحياة الى الشلل التام، حيث لم تعطل حالة الطوارئ الوقائية في الامارات استمرار الأنشطة وحركة التجارة والسفر التي تعطلت جزئيا نحو وجهات موبوءة وهو ما قاد الى وقف جزئي وليس شامل لإصدار التأشيرات، الى ذلك فان إجراءات الصحية والكشف عن المصابين المحتملين بالوباء تعتمد على تكنولوجيات حديثة تمكن السلطات من معرفة المصابين المحتملين أثناء دخولهم الى الامارات وتعزيز التدخل السريع لإسعافهم، دون ترهيب الناس والمقيمين والحفاظ على أدنى مظاهر الحياة والنشاط دون الاضرار بالمصالح القومية للبلاد ومصالح المواطنين والمقيمين وعدم الإضرار أيضا بالاستثمار والاقتصاد. الى ذلك فان أغلب المواطنين والمقيمين ملتزمين بإجراءات السلامة وهو ما ساعد السلطات في الحد من تمدد المرض خاصة بين فئات متعددة الجنسيات وخاصة من القارة الاسيوية والأوروبية التي تعتبر مصدر الوباء.

وتتخذ وزارة الصحة الإماراتية كافة الإجراءات اللازمة بما فيها التقصي وفحص المصابين والمخالطين ومتابعتهم في إطار إجراءاتها الاحترازية وتعزيز آلية استدامة الترصد الوبائي والاستجابة المناسبة للطوارئ الصحية وفق معايير منظمة الصحة العالمية.

وبما أن الامارات دولة مفتوحة اقتصادياً وتجارياً فهي تقع في دائرة الوجهات المستهدفة لمخاطر انتشار الفيروس عابر الحدود باعتبار أن مناطق اماراتية تصنف من بين أهم الوجهات السياحية والتجارية والاستثمارية في العالم العربي والمفتوحة على كل سياح العالم. الا أن صرامة الإجراءات الوقائية خففت من تمدد الوباء، وقد دعمت ذلك الإجراءات الاحترازية الوقائية التي اعتمدت لتأمين فعاليات اكسبو 2020 في دول الامارات اخر هذا العام.

وقد عمدت الإمارات منذ سنوات قليلة الى اكتساب أفضل طريقة للتعامل مع الأزمات وهي تجنب حدوث أزمة في المقام الأول. ولكن إذا كانت الأزمات حتمية فسيناريوهات ادارتها مختلفة، حيث تعتمد إدارة الاستراتيجية الإماراتية الفعالة للأزمات على اتخاذ القرار السليم والسريع، ولا يمكن أن يحدث أي منهما دون التخطيط المسبق على مستوى الدولة والهيئات المتعددة. ففي حالات الطوارئ كالتي تشهدها دول العالم بسبب انتشار وباء كورونا، تكون القرارات الرئيسية الأولى التي يتم اتخاذها بشأن كيفية التعامل مع الازمة، حيث يمكن أن تؤدي القرارات السيئة إلى تفاقم المشكلة حتى وان بدأت صغيرة. وتعتمد الامارات على فرق إدارة أزمات استراتيجية مدربة بالكامل[5].

وتعتمد الإمارات في تنفيذ أفضل الممارسات والإرشادات على تجارب الدول الأكثر تقدماً في إدارة الطوارئ والكوارث. والهدف من ذلك هو تمكين دولة الإمارات العربية المتحدة للاستفادة من الخبرة الدولية وتمكين تنسيق الجهود العلمية والتقنية والبشرية لمواجهة حالات الطوارئ (NCEMA ، 2007).

ويتكون فريق إدارة حالات الطوارئ والأزمات عادة من منظمات وهيئات وجهات مختلفة توفر الاستجابة العاجلة لحل الازمة مثل الوباء المستشري، ومن أهم مكونات فريق إدارة الطوارئ، هي الشرطة (التي تعبر نقطة الاتصال الأولى لأي حدث)، ثم الدفاع المدني، ثم الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث” NCEMA، فجمعية الهلال الأحمر، فالجيش، ثم وزارة الصحة. لكن في حالة مجابهة وباء كورونا فيكون الجهاز الصحي الممثل في وزارة الصحة والهيئات التباعة لها المنسق الأول بين مختلف هذه الجهات المكون لفريق الطوارئ. وقد يُطلب من الجيش والقوات الخاصة أيضًا الانضمام لفريق إدارة الطوارئ في حالة حدوث مشكلة او كارثة كبرى. كما ان جهات أخرى مثل البلديات والجمعيات الخيرية والاعلام لها أدوار أساسية في حالات الطوارئ وإدارة الأزمات[6].

رفع الوعي الاستباقي ونشر ثقافة التعامل مع الأزمات

سبقت الامارات دول عربية أخرى في تطوير ثقافة إدارة الازمات والكوارث وحولتها الى مواد علمية وتخصصات جامعية[7] من أجل إيجاد كفاءات وطنية قادرة على إدارة الازمات الطارئة في جميع التخصصات والمجالات. كما عززت من تكوين الافراد والمنظمات في ندوات ومؤتمرات[8] للتعامل الاستباقي مع الكوارث المحتملة وكيفية التخفيف من تبعياتها. وحرصت الامارات على زيادة سرعة الاستجابة والتدخل عند الازمات[9].

وأظهر رصد لإدارة الامارات لأزمة انتشار وباء كورونا مستويات مرتفعة للوعي بين المواطنين والمقيمين وخاصة على مستوى الامتثال للقوانين والإجراءات الوقائية والاحترازية فضلا عن ملاحظة نمو الوعي الصحي في جزء من ردود فعل المقيمين في الامارات إزاء مواجهة الوباء والتصرف بشكل ينسجم مع إرشادات الوقاية من وباء كورونا.

وبمساهمة أكثر من 12 متدخلاً حكومياً وشبه حكومي في إدارة الازمات في الإمارات في ظل تنسيق تام خاصة مع وسائل الاعلام من اجل رفع الوعي كإحدى اهم طرق الوقائية الأولية، نجحت الامارات في كسب رهان السيطرة على المراحل الأولى لانتشار أكثر أوبئة العصر الحديث غموضاً (كورونا).

وراهنت الامارات على تعزيز المسبق بالتعامل مع الازمات والكوارث الإنسانية بزيادة تنظيم الورش والمؤتمرات التعريفية، حيث احتل تنظيم المؤتمر الدولي لإدارة الطوارئ والأزمات، بين اهم الأهداف والغايات التي تسعى “الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث” إلى تحقيقها، بغاية زيادة الوعي، وتحسين أداء وفعالية جهود وقدرات الاستجابة للطوارئ في دولة الإمارات العربية المتحدة[10].

وعلى امتداد السنوات الماضية وتنفيذاً لتوجيهات القيادة الامارتية، أوْلَتْ ” الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث” اهتماماً فائقاً بعقد المؤتمرات الدولية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، على أرض الإمارات، بهدف الاستفادة القُصوى من التجارب والخبرات والتقنيات العالمية. وتمحورت أهداف مثل هذه المؤتمرات، حول خلق المعرفة والدراية والجاهزية والاستعداد لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، تشجيع وتنظيم التعاون المشترك بين الدول المتجاورة على المستوى الإقليمي، تبادل الخبرات المتعلقة بالطوارئ والأزمات على المستوى العالمي، الحرص على إيجاد أفضل الأساليب في إدارة الطوارئ والأزمات[11].

 

المصدر: وحدة البحث والتحليل في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

الهوامش:

[1] أنظر المؤشر الدولي للسلامة والصحة في الامارات، https://ulsafetyindex.org/country/United-Arab-Emirates
[2] أنظر ترتيب المستشفيات الإماراتية في العالم، https://hospitals.webometrics.info/en/aw/United%20Arab%20Emirates%20

[3]  أنظر موقع وزارة الصحة الإماراتية، https://www.mohap.gov.ae/en/Aboutus/Pages/COVID-19.aspx?v=https://mohaphealthbotprod.azurewebsites.net/
[4] انظر تطبيقا متوفرا على موقع وزارة الصحة الإماراتية، https://www.mohap.gov.ae/en/services/home-mobile-healthcare-elderly-service

[5] Marius Eugen Opran, CRISIS MANAGEMENT CENTERS FOR UNITED ARAB EMIRATES, February 2012, Conference: IDEX 2012 At Abu Dhabi, https://www.researchgate.net/publication/280132225_CRISIS_MANAGEMENT_CENTERS_FOR_UNITED_ARAB_EMIRATES
[6] Hamdan Alshamsi, Managing Major Emergencies: Recommendations to develop effective contingency planning in the United Arab Emirates, School of the Built Environment, In Partial Fulfilment of the Requirements of the Degree of Doctor of Philosophy, December 2017, https://pdfs.semanticscholar.org/22fc/2337def375ecdd2d50b6cee50227722700e3.pdf

[7] Crisis Management and Business Continuity Specialist (UAE national), https://careers.enec.gov.ae/en/uae/jobs/crisis-management-and-business-continuity-specialist-uae-national-1100000568/
[8] Strategic Crisis Management: Planning for Unexpected Challenges, Management & Leadership Seminars, https://mercury-training.com/p/71801.html
[9] Marius Eugen Opran, CRISIS MANAGEMENT CENTERS FOR UNITED ARAB EMIRATES, February 2012, Conference: IDEX 2012 At Abu Dhabi, https://www.researchgate.net/publication/280132225_CRISIS_MANAGEMENT_CENTERS_FOR_UNITED_ARAB_EMIRATES
[10] مؤتمر إدارة الطوارئ والأزمات الفكرة والأهداف، http://www.cemc.ae/portal/ar/about-cemc.aspx
[11] مؤتمر إدارة الطوارئ والأزمات الفكرة والأهداف، http://www.cemc.ae/portal/ar/about-cemc.aspx