تصنيف الدول العربية الأكثر حداثة وتطويراً لثقافة المواطنة

الامارات الأولى عربياً على مستوى تطور الدولة الحديثة وجودة الحياة وتعزز الحريات المرتبطة بالتنمية والعدالة والحرية أحداث مهمة

11 يونيو، 2023


–         الامارات في المرتبة الأولى بفضل مؤشرات الحريات والابداع والاستقرار والرفاه

–         اليمن في المرتبة الأخيرة

–         مفهوم الحداثة توفير أقصى درجات الاستقرار الاجتماعي لكل مكونات المجتمع

–         ارتباط دولة الحداثة بالديمقراطية

–         دولة الحداثة هي الدولة الضامنة للرفاه والحريات والعدالة والتنمية المستدامة وعلوية القانون والمؤسسات والابتكار والابداع والتعايش

 

ادارة أبحاث المركز

(MenaCC)

 11 يونيو

الملخص: أفضل بيئات العيش في العالم العربي باتت تصنف حسب مقومات ومحددات مختلفة لعل أبرزها واقع ممارسة الحريات العامة وانفاذ القانون والعدالة ومدى الاستقرار السياسي والاقتصادي وافاق التنمية ومدى توفر الرفاه وتجسيد فكرة دولة القانون والمؤسسات وممارسة ثقافة المواطنة.

ضمن تصنيف أكثر الدول العربية حداثة وتطويرا لثقافة المواطنة في 2023 تم تقييم 19 دولة عربية وفق جهود التطوير التي تقوم بها حكوماتها في مجال تعزيز دولة القانون والمؤسسات من أجل حداثة الدولة. اللافت أن بعض الدول الخليجية صعدت في فترة وجيزة لتتقدم في مراتب أفضل بيئات العيش وأكثرها حداثة وازدهارا وتعزيزا للحريات والحقوق ولعل أهم هذه الدول الساعية لتطوير الحداثة وممارسة ثقافة المواطنة برزت الكويت والامارات وقطر، لتلتحق السعودية أيضاً بركب الدول الساعية لتعزيز انفتاحها على مقومات الحداثة وتعزيز ثقافة المواطنة. في حين برزت بلدان الأردن ولبنان والمغرب وتونس والجزائر ومصر بين الدول الساعية منذ عقود نحو تعزيز حداثة الدولة وتطوير ممارسة فكرة المواطنة. أما الدول العربية التي شهدت صراعات دامية فهي تشهد تعثرات وصعوبات من أجل ترسيخ مقومات الدولة الحديثة وممارسة ثقافة المواطنة.

التصنيف رصد في المقابل تراجع بعض الحكومات العربية في مسار التحول نحو دولة الحداثة وترسيخ علوية القانون والمؤسسات. ولعل نتائج الاستقرار السلبي ومحدودية الرفاه ومؤشرات الفساد ومحدودية الابداع بين أبرز المؤشرات الدالة على تراجع مقومات دولة الحداثة في عدد من البلدان.

وفي حين استغرقت دول عقوداً لتطوير فكرة الدولة وآلياتها وتعزيز ممارسة ثقافة المواطنة، اختصرت دول أخرى خاصة في منطقة الخليج العربي هذا الزمن، لتبلغ في وقت قصير مستويات متقدمة في حداثة الدولة وتطوير بيئة تمنح المواطن دورا أكبر في مجتمعه ومراكز صنع القرار. الاختلاف بسيط بين البلدان الساعية نحو حداثة الدولة حيث يكمن في مدى توفر الإرادة السياسية والموارد اللازمة.

ضمن تصنيف أعده المركز لتقييم أكثر البلدان العربية إرساء لفكرة الدولة الحديثة والمواطنة الفاعلة ضمن (دولة القانون والمؤسسات)، تصدرت الامارات عربياً كأكثر الدول العربية حداثة بتفوق في مؤشرات تنافسية في مجالات كثيرة[1].

عموماً تقييم حداثة الدول في هذا التصنيف يرتبط بمدى قيام الحكومات بترسيخ فكرة دولة القانون والمؤسسات كثقافة وممارسة ومدى الاستجابة لتطلعات الشباب ودعم الابتكار والابداع وضمان ازدهار ممارسة الحريات المرتبطة بالتنمية.

تم اعتماد قياس مؤشرات مختلفة أبرزها مؤشر الحريات العامة[2]، مؤشر الحريات الاقتصادية[3]، مؤشر المساواة بين الجنسين[4]، مؤشر الابتكار[5]، مؤشر انفاذ القانون[6]، مؤشر انفاذ العدالة[7]، مؤشر التقدم الاجتماعي[8]، مؤشر مكافحة الفساد[9]، مؤشر مخاطر الفساد[10]، مؤشر متانة الدولة والاستقرار السياسي[11].

بدراسة هذه المؤشرات تم استنتاج تقييم لمسار انتقال الدول العربية نحو الحداثة وترسيخ ممارسة ثقافة المواطنة ودولة القانون والمؤسسات وإرساء بيئة مثالية لجودة الحياة وعمل الديمقراطية. هذا التقييم صدر في شكل تصنيف شمل 19 دولة عربية[12].

في المرتبة الثانية حلّت قطر[13]، لتأتي الكويت في المرتبة الثالثة، فسلطنة عمان في المرتبة الرابعة، لتحل الاردن في المرتبة الخامسة، المرتبة السادسة كانت من نصيب البحرين، فتونس في المرتبة السابعة، لتاتي المغرب في المرتبة الثامنة، لتحل السعودية في المرتبة التاسعة، اما المرتبة العاشرة فكانت من نصيب الجزائر[14].

المرتبة الحادية عشر آلت الى دولة لبنان، لتحل مصر في المرتبة الثانية عشر، فموريتانيا في المرتبة الثالثة عشر، وفلسطين في المرتبة الرابعة عشر. العراق كان تصنيفه في المرتبة الخامسة عشر، فليبيا في المرتبة السادسة عشر. لتاتي السودان في المرتبة السابعة عشر، وحلت سوريا في المرتبة الثامنة عشر لتتذيل اليمن القائمة في المرتبة التاسعة عشر[15]. وغابت كل من الصومال وجزر القمر وجيبوتي عن التصنيف بسبب محدودية البيانات.

وتم قياس جهود الحكومات العربية في تحسين المؤشرات التالية والتي على أساسها تم تقييم ترتيب الدول الساعية نحو تعزيز حداثة الحكومة وتعزيز دولة القانون والمؤسسات واتاحة ممارسة الحريات الهادفة وترسيخ مقومات الأمان والسلم الاجتماعي وتحقيق الرؤى التنموية للشعوب.

كما لم يتم التركيز على تقنين ممارسة الحريات في المجال السياسي بقدر التركيز على مدى فاعلية ممارسة الحريات وانفاذ مبادئ العدالة والمساواة في المجالات القانونية والمؤسساتية والاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن تقييم النتائج المرجوة وتأثيراتها على جودة حياة شعوب الدول العربية.

تفاصيل التصنيف وتعريف مؤشر الحداثة وممارسة المواطنة

منذ عقود تتسابق البلدان نحو تحديث وتطوير منظومة الدولة من أجل الاستجابة لمواصفات بيئة الحياة المثالية التي تستجيب لتطلعات الشعوب في كل الأوقات. بعض البلدان العربية تعثرت في تحقيق حداثة الدولة وتعزيز ممارسة ثقافة المواطنة وصولاً، في حين نجحت حكومات أخرى في وقت وجيز في ارساء “حداثة الدولة” وتحفيز الدور الايجابي للمواطن في الدولة، وذلك بفضل النجاح في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات كممارسة فعلية وربطها بتحقيق الرفاه والحريات والعدالة والتنمية لجل المواطنين دون تمييز.

مؤشر “حداثة الدولة” لا يعني حصراً قياس مدى تحقيق الحكومات للتطور التكنولوجي وتحديث البنى التحتية. فالحداثة التي تناولها التصنيف بالتقييم تتعلق بمدى تطور آليات دولة القانون والمؤسسات ومدى فعّالية دور الفرد فيها ومدى تعزز ممارسة ثقافة المواطنة. كم تم قياس جهود الحكومات في تطوير الدولة حسب الحريات الممنوحة لدعم الابداع والابتكار ومدى الاستجابة لتطلعات الشباب وأجيال المستقبل. حيث يستنتج التصنيف أفضل بيئات العيش جودة وازدهاراً.

الوصول الى حداثة الدولة هو تحقيق لمقاصد الديمقراطية الوظيفية

التقييم عرّف دولة الحداثة بالدولة التي تضمن الرفاه والحريات والعدالة والتنمية المستدامة وعلوية القانون والمؤسسات والابتكار والابداع والتعايش، كلها صفات للدولة النموذجية الحديثة التي لطالما مثلت طموح كل مواطن عربي في الحاضر والمستقبل.

إرساء مثل هذه الدولة في أرض الواقع وان مثل حلماً صعب المنال بالنسبة للبعض، الا أنه بات واقعاً ملموساً في عدد من الدول العربية التي تتنافس لإنجاز رؤى تنموية مستقبلية واعدة تحقق من خلالها فكرة دولة الحداثة.

فمفهوم الحداثة الذي شكّل هدفاً عند بعض الحكومات يعني توفير أقصى درجات الاستقرار الاجتماعي لكل مكونات المجتمع. علماً أن هذا الاستقرار لا يمكنه أن يتحقق إلاّ من خلال منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تتبنى المساواة التامة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم ودون أي تمييز. وبالتالي لا يمكن فصل هدف الحداثة عن الديمقراطية.

السعودية بين البلدان الصاعدة نحو تحقيق حداثة الدولة

من بين الدول الصاعدة الساعية لتعزيز بيئة الدولة الحديثة والمتطلعة تدريجياً لتبني معايير نموذجية من الحريات المحققة للتنمية المستدامة، برزت مساعي وجهود تقوم بها المملكة العربية السعودية من أجل تطوير مفهوم الدولة الحديثة وتقنين الحريات الهادفة وتحسين مناخ ممارسة الحقوق وتعزيز الانفتاح ورفع وعي المجتمع من خلال سياسات تطوير التعليم والابتكار والابداع وتمكين الشباب. ويبدو أن جهود المملكة بدأت تشكل مسارا نحو التحول الهادف لبناء مقومات الدولة القوية والمتطورة والمستوعبة لكل مكونات مجتمعها وتطلعاتها.

هذا المسار الانفتاحي على مقومات الدولة الحديثة الذي تسلكه المملكة، سبقتها اليه كل من الامارات وقطر وعمان والكويت ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي كالأردن والمغرب وتونس ومصر وموريتانيا، والتي تولي اهتماما متباينا في اتجاه تحسين مقومات الدولة الحديثة ودعم ممارسة الحريات مع بعض التحفظ في عدد من الدول.

وتجدر الإشارة الى أن التصنيف لا يولي أهمية بتقييم مدى استفادة الفرد من الخدمات والتسهيلات الحكومية بقدر التركيز على رصد السياسات الحاثة على تعزيز مناخ الحريات العامة وربطها بتحقيق التنمية والاستقرار والثروة، مع عدم الخوض في تقييم الجهود المبذولة في اصلاح المجال السياسي حيث تختلف المعايير من دولة أخرى.

اهتم التصنيف كذلك بدراسة مدى المخاطر المترتبة عن ممارسة الحريات خاصة الحاثة على تعزيز افاق التنمية المستدامة وتعزيز السلم المجتمعي. يشار الى أن الدول الغنية بالموارد والتي استثمرت في رفاه مواطنيها تتفوق نسبياً عن بقية الدول الأخرى في تعزز البيئة الملائمة لازدهار دولة الحداثة (دولة القانون والمؤسسات) وبالتالي الديمقراطية الهادفة مستقبلاَ. فالحكومات التي تعتبر في بداية الطريق نحو ديمقراطية براغماتية ناجعة هي تلك التي تضمن آفاق تنمية أجيال المستقبل وتعزز حوكمة مواردها وترشيد انفاقها وتقنين المحاسبة ومنح أولوية للاستثمار في تمكين أفراد المجتمع من الحقوق الأساسية وممارستها والمشاركة في تقرير المصير.

ارتباط الحداثة بمقاصد الديمقراطية

هدف الديمقراطية بناء دولة حديثة. ونتيجة تحقق هدف الحداثة قيام بناء ديمقراطي يتطور تدريجياً. والضامن لاستمرار الحداثة والديمقراطية هو تحقق التنمية في ظل ترسيخ دولة القانون والمؤسسات وتقنين ممارسة مسؤولة وواعية للحقوق والحريات. وبدون تحقق التنمية تضيع مقاصد الديمقراطية.  فتحقق التنمية والحداثة يمثل مؤشر الشرعية الوحيد لفعّالية وظيفة الديمقراطية.

في العالم العربي، هناك اختلاف كبير بين الدول على منح الأولوية لدمقرطة الأنظمة أو لحداثة الدولة. بعض الدول العربية اهتمت بالدمقرطة الهيكلية دون تحقيق نتائج إيجابية تعود على المجتمع أو الاقتصاد أو التنمية. نماذج ديمقراطية يمكن وصف بعضها بالشكلية أو الرمزية فاقدة التأثير والوظائف المجدية. في حين اهتمت دول عربية أخرى بتحقيق حداثة الدولة وتعزيز ممارسة الحريات الانتقائية الهادفة وترسيخ دولة القانون والمؤسسات. وفي هذه الحالة باتت تتشكل بيئة مثالية في بعض الدول العربية يمكنها احتضان أي تحول ديمقراطي ناجع مستقبلاً.

فبقدر تحقق مقومات حداثة الدولة تتعزز ممارسة الحريات وتتحقق آفاق التنمية. وهذا المسار يعد الطريق المثالية لمأسسة الديمقراطية تدريجياً بدل فرضها فرضاً.

 

2023 ©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية MenaCC

 

المراجع:

[1] أنظر أسفل الجدول
[2] Freedom House rates people’s access to political rights and civil liberties, 2022, https://freedomhouse.org/countries/freedom-world/scores; Freedom Index by Country, https://wisevoter.com/country-rankings/freedom-index-by-country/
[3] Economic Freedom index 2023, https://www.heritage.org/index/ranking
[4] Gender classification, 2021, https://www3.weforum.org/docs/WEF_GGGR_2021.pdf
[5] Global Innovation Index 2022, https://www.wipo.int/global_innovation_index/en/2022/
[6] World Bank, Rule of law index, 2021, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_ruleoflaw/MENA/
[7] World Justice Project, 2022, https://worldjusticeproject.org/rule-of-law-index/global
[8] مؤشر التقدم الاجتماعي، 2022، https://www.socialprogress.org/global-index-2022-results/
[9] The Global Corruption Index (GCI) 2022, https://risk-indexes.com/global-corruption-index/
[10] The Global Corruption Index (GCI) 2022, https://risk-indexes.com/global-corruption-index/
[11] The World Bank, Political stability index (-2.5 weak; 2.5 strong), 2021 – Country rankings, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_political_stability/#:~:text=Political%20stability%20index%20(%2D2.5,available%20from%201996%20to%202021
[12] أنظر أسفل الجدول
[13] أنظر أسفل الجدول
[14] أنظر أسفل الجدول
[15] أنظر أسفل الجدول