الجزء الأول: الصراع على الحكم في تونس ينذر بكارثة إنسانية في البلاد الأكثر تضرراً عربياً بكورونا

تقرير توقعات المخاطر: البلاد في دائرة الاستقرار الحرج وتسييس الوباء يهدد بالفوضى وآلاف الضحايا أحداث مهمة

1 يوليو، 2021


 

  • انفجار وبائي قد يودي بحياة 25 ألف تونسي بنهاية العام
  • البلاد تواجه فرضية خطر اندلاع “انتفاضة انتقامية”
  • تحولات مقلقة في تونس قد تصل تداعياتها بقية العالم العربي
  • أخطاء سياسية قد تؤدي لكارثة انسانية في تونس
  • تسييس الجائحة يجعل تونس الأكثر تضرراً عربياً ومخاوف من فقدان السيطرة والفوضى
  • تونس تستفيد من ليبيا بشكل غير مباشر

 

ادارة رصد المخاطر 

مركز MenaCC

1 يوليو 2021

الملخص: ارتدادات تداعيات الانفجار الوبائي المستمر في تونس قد تكون كارثية على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تونس في المدى القريب وقد تمتد مداها أيضا الى دول عربية. حيث ارتفعت درجة توقعات مخاطر عدم الاستقرار في تونس على المديين القريب والمتوسط. ففي حين تدعم جهات ليبرالية حداثية تغيير النظام السياسي ومنع اختطاف الدولة من هيمنة الإسلاميين، يسعى مريدو الحركة الإسلامية رغم تراجع كبير لشعبيتهم للحفاظ على النظام السياسي الحالي الذي يضمن تواجدهم في السلطة. ومن المتوقع ان تزيد حالة الاستقطاب والتصادم بين الفريقين المختلفين على حكم البلاد التي تئن تحت وطأة فقدان السيطرة على الوباء بسبب ضعف إدارة الأزمة والانشغال بالصراع السياسي.

ويمثل أسلوب تعايش التونسيين مع تطورات الوباء في ظل محدودية قرارات إنقاذ ناجعة والتهاون في اتخاذ إجراءات حجر واغلاق في الوقت المناسب السبب الرئيسي للانفجار الوبائي. يحدث ذلك توازيا مع عدم الاكتراث الحكومي يقابله تراجع مدوي لمستويات الثقة الشعبية في الدولة. ويهدد مسار تعايش التونسيين السلبي مع سلالات الفيروس بتوقع حصيلة كارثية لضحايا الجائحة.

ويحذر تقرير بحثي لتقييم توقعات المخاطر في تونس في جزئه الأول يصدر في شهر يوليو 2021 أعدته إدارة توقعات المخاطر في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)، يحذر من زيادة حدة عوامل مزدوجة باعثة على عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في تونس. وتستنتج توصيات التقرير أن زيادة الاستقطاب في تونس قد ينذر بمخاوف انزلاق البلاد الى ما أشبه بصراعات أهلية بين الفرقاء قد تكون مقدمة لخطر أكبر يتمثل في مخاوف حقيقية من توقع أعمال عنف قد تبلغ حدة خطورتها الى احتمالات عودة مسلسل الاغتيالات إذا استمر تعذر وجود اتفاق أو توافق بين الخصوم أو الإصرار على اقصاء الأطراف السياسية المختلفة مع بعضها. ويبقى الوصول الى توافق سياسي في تونس هشّاً في ظل منظومة الحكم الحالية القائمة على التناقضات.

على صعيد آخر، يهدد عدم الاستقرار الحكومي والانقسام السياسي ومنظومة الحكم الحالية بتعميق كلفة الوباء البشرية والصحية والاقتصادية والاجتماعية وتوقع سيناريو أكثر تشاؤماً يقضي بعدم استبعاد ردة فعل شعبية عنيفة ازاء تردي الأوضاع وغياب أفق الحلول تكون أقرب لظاهرة الاحتجاجات الانتقامية.

ولا يتم استبعاد تأثير التأزيم السياسي في تحفيز بوادر ظهور أزمة أخلاقية قد تشرّع للعنف والعنف الاجتماعي المضاد وعدم الالتزام بالقانون في ظل أكبر أزمة ثقة شعبية في النخب السياسية تعرفها البلاد منذ الاستقلال. الى ذلك تم رصد زيادة وجود جمعيات وأحزاب كثيرة في تونس لكن أغلبها غير فاعلة أو مؤثرة حيث ينقصها التطبيق والالتزام في دعم نشر ثقافة الديمقراطية ومحاربة الفساد.

في الأثناء، يعاني المسار السياسي من صعوبات وعراقيل التخلص من تأثير القوى الاقتصادية العائلية[1] المشكلة لتكتلات تتقاسم النفوذ والتي تهيمن على القطاع الخاص والمتداخلة مع النخب السياسية والتي تلعب أدوار غير مباشرة في التحكم في منظومة اتخاذ القرار وتغير موازين القوى. ويمثل انقسام النخب السياسية اليوم انعكاساً لحالة الاستقطاب وتضارب مصالح هذه القوى الداخلية التي لدى بعضها ارتباطات خارجية. كما تمثل هذه القوى قوة تأثير خفية وغير مباشرة في مسار التغيير في البلاد. وتتهم أطراف داخلية هذه القوى بلعب دور حكومة الظل أو الدولة العميقة[2]. وتطالب أطراف مختلفة بأولوية استقلالية الدولة من نفوذ وهيمنة مراكز القوى والنفوذ والمصالح الداخلية.

وتصطدم أولويات التغيير الاجتماعي والاقتصادي المنشودة شعبياً مع أولويات بعض النخب الاقتصادية والسياسية. في الأثناء ارتفعت مؤشرات شبهات الفساد[3] رغم تراجع مدركاته حسب منظمات دولية[4]. ارتفاع وتيرة الخطاب الجماهيري المتهم للنخب بالفساد يعود الى احتمالات زيادة الإفلات من العقاب واتهامات بوجود مصالح بين النخب السياسية والقوى الاقتصادية التي تمثلها عائلات مهيمنة على الاقتصاد. الى ذلك لم تكن فقط النخب السياسية التي تعاني من تداخل قوى النفوذ والمصالح بل حتى منظمات المجتمع المدني تشكو من زيادة مجالات الاختراق من أجل التأثير في قراراتها ومواقفها.

وحسب رصد المركز لاستطلاعات رأي شريحة واسعة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، فان هناك وعي شعبي متزايد باحتمال تأثير تداخل مزعوم لمصالح النخب السياسية مع القوى الاقتصادية الداخلية، وهذا التداخل يعزز مدركات الفساد ويؤخر تحقق تطلعات الشارع التونسي ويعزز من فقدان الثقة في النخب والتمثيليات السياسية والحزبية.

وبسبب أزمة ثقة داخلية بين المؤسسات والنخب والقوى الاقتصادية، تعاني البلاد من مشكلة تراجع نسبة الاستثمار الوطني وهي اشكالية تتمثل في انخفاض مساهمة القطاع الخاص في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يضعف اتجاهات نمو الموارد وتسارع تحقق تنمية وتوفر فرص وظيفية ما جعل البلاد في حاجة متزايدة للتداين الخارجي بعد عجز مالي متفاقم[5]. هذه الأزمة تؤثر وان بشكل غير مباشر على اتجاهات مسار الاستقرار السياسي المرتهن لمراكز ثقل داخلية وخارجية تسعى من أجل ضمان مصالحها وتصطدم مع القوى التمثيلية للشعب حول ترتيب أولويات الإصلاحات المنشودة. حيث سجلت البلاد إصلاحات غير شعبية مدفوعة من صندوق النقد الدولي[6] بمبرر الحصول على قرض تسببت بموجة زيادة في الأسعار طالت حتى المواد الأساسية مع رصد نمو نسبة تضخم مرتفعة[7] تستنزف القدرة الشرائية للمواطن.

حصيلة ضحايا فيروس كورونا قد ترتفع الى 25 ألفاً بنهاية العام

تواجه تونس فرضية مقلقة وجدية تتمثل في احتمال قوي بارتفاع حصيلة ضحايا فيروس كورونا الى نحو 25 ألفاً من مواطنيها بنهاية العام كحصيلة اجمالية متوقعة تعد الأكثر تسارعاً عربياً من حيث معدل الوفيات اليومي منذ بداية العام الجاري. حيث فقدت تونس منذ يناير من العام الجاري الى يونيو 2021 نحو 12 ألف مواطن[8] من شرائح عمرية مختلفة أغلبها من كبار السن أي بواقع 1600 وفاة شهريا بمعدل نحو 50 وفاة يومياً كمتوسط أدنى ونحو أكثر من 100 وفاة كأعلى متوسط خلال الأشهر الأخيرة منذ بداية عام 2021.

هذه الحصيلة المقلقة المتوقعة للضحايا قياساً للوضع الوبائي الذي يتحمّل مسؤولية فقدان السيطرة عليه بالدرجة الأولى عدم الاستقرار الحكومي والخلاف السياسي المحتدم ومحدودية كفاءة إدارة الأزمة، تمثل في النهاية مؤشر خطر حقيقي على استقرار البلاد التي تعتبر على مشارف أزمة إنسانية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة في تاريخها الحديث.

انفجار وبائي في المناطق الفقيرة

في ظل محدودية الاستقصاء الوبائي وبطء مسار التلقيح، سجلت تونس بخلاف الدول العربية انفجار وبائيا مستمرا على امتداد موجات ذروة متلاحقة. وخلافا لبقية الدول العربية تتسبب حدة الصراع السياسي في تونس بما أشبه بجرائم في حق الإنسانية وتعريض الشعب الى خطر داهم لم ترتقي السياسات الوقائية الى حدة درجة التهديد التي يمثلها، حيث غابت قرارات حاسمة لفرض اجرا وقائي جماعي بينما يتم تفويض الصلاحيات الى ولاة المحافظات بشكل غير منسق في مكافحة كورونا ما دفع بعض الجهات الفقيرة الى مواجهة انفجار وبائي بامكانيات محدودة وبدائية دفعت بعض أهالي الجهات الى الاستغاثة من موت محقق بسبب انهيار المنظومات الصحية وعزل هذه الجهات ومواجهة اهاليها لتفشي عدوى جماعية بشكل مقلق.

وتمثل مواجهة جهات منكوبة في تونس جراء زيادة تفاقم خطر الجائحة انتشار مرتفع جدا للعدوى وارتفاع حصيلة الاصابات والوفيات اغلبها بسبب نقص الرعاية الصحية او محدودية توفر التلقيح بمثابة بواعث على احتمالات قوية لاندلاع احتجاجات انتقامية في المدى القريب وصيف هذا العام ضد تمثيليات السلطة المركزية في الجهات. وقد تعتبر أهم محركات توقعات ردة الفعل الشعبية الغاضبة تتمثل في محدودية دور السلط المركزية واللامركزية في الإغاثة والاستجابة السريعة والاستباقية للخطر وفشل جهود الإنقاذ وتعريض حياة الالاف للخطر. هذا فضلا عن توقع زيادة تسبب العزلة التنموية التي تواجهها جهات فقيرة في ارتفاع مؤشر التحاق كثيرين بشريحة الفقر المدقع.

صراع النخب السياسية يتسبب في أزمة ثقة مجتمعية وأزمة أخلاقية خطيرة

منذ 2011 ودخول تونس في عهد تغيير جديد دفعت اليه انتفاضة شعبية ضد النظام، تنافست أحزاب وشخصيات على قيادة النظام الجديد، لكن فشلت خلال عقد كامل في بناء منظومة توافق راسخة، بل لجئت بعض الأطراف السياسية لضرب الشرعية الشعبية لمنافسيها وتنصلت بعضها من وعودها الانتخابية لأجل ضمان مصالحها الشخصية خاصة على مستوى النفوذ. ولكسب التنافس زاد اعتماد السياسيين خاصة الجدد والطامحين في كسب مصالح نفوذ على التشهير بمنافسيهم من اجل نزع الثقة الشعبية منهم. وباتت أغلب النخب او من يمثلها في الساحة السياسية والتي تؤثر في المجتمع فاقدة لشرعية الثقة او مشكوك في مصداقية خطابها بسبب تشارك ثقافة التشكيك في الجميع وزيادة تبني القواعد الشعبية والنخب نظريات المؤامرة، وهو ما قاد الى ازمة ثقة بين النخب من جهة وبين السياسيين والشعب من جهة أخرى. هذه الأزمة تفاقمت لتنتقل الى ازمة ثقة بين مكونات الشعب حيث أصبحت ثقافة راسخة ورثها جيل جديد بعد انتفاضة 2011، وتقوم هذه الثقافة على التشكيك في مصداقية الاخر وتفضيل السلوك الانعزالي لتقليص التواصل مع الآخر كوسيلة للتعايش السلمي. كما ورث جيل المراهقين الحاليين سلوكيات شاذة تعتمد على الذاتية ونبذ قيم المجموعة خاصة النخب والتي أظهرت تداولا أكبر لممارسات العنف اللفظي والجسدي حتى داخل البرلمان.

من جهة أخرى لا يدعم الإعلام المنقسم والتي تسيطر عليه قوى اقتصادية داخلية من جهة أو منظمات المجتمع المدني من جهة أخرى بالشكل الكافي سياسات التوعية والتحسيس بالسلوكيات الإيجابية لتجاوز الأزمات المتراكمة التي تثقل تداعياتها كاهل قدرة المواطن التونسي على التحمل، حيث تدعم وسائل الاعلام التقليدي والجديد ومنصات التواصل زيادة تشارك ثقافة العنف اللفظي والجسدي من خلال عرض انتاج اعلامي تتناول أفكار أو اشخاص لديها علاقة بالعنف أو التحريض عليه. وعلى سبيل المثال يعتبر زيادة دعم الاعلام بمختلف أنواعه انتشار أغاني الراب المحرضة على العنف مؤشر خطر على انحراف ثقافة السلم الاجتماعي والتغيير الإيجابي.

المسار الديمقراطي في خطر

أخطاء في الممارسة الديمقراطية ومحدودية تفسير القانون وتحديثه وتطبيقه أثناء أزمة الوباء خلفت تداعيات باتت كلفتها واضحة على المواطن والمجالات الحيوية في البلاد بتعثر جهود الإنقاذ والإصلاح والتنمية والدعم الاجتماعي. هذه التداعيات قد تهدد استقرار البلاد وموقعها كبلد ديمقراطي وقد تكون مقدمة لتفاقم ظاهرة “تفكك سياسي” آخذة في التصاعد منذ عامين مع عدم استبعاد انفجار بركان غضب شعبي قد تدفع اليه بوادر فقدان الثقة الشعبية في العمل الحكومي والنخب السياسية الحاكمة.

توقعات حدوث اضطرابات سياسية واجتماعية تدفع لها زيادة مقلقة لوفيات الوباء واستنزاف المنظومة الصحية وشح التمويل واستقرار شبهات الفساد وارتفاع معدلات البطالة والفقر بشكل مقلق مقابل ضعف سياسات الدعم الاجتماعي وتوقع تسارع رفع الدعم وتقليص نسبة التوظيف في القطاعين الحكومي والخاص وتراجع الاستثمار وايرادات البلاد من التجارة المضطربة وقفزة الديون وتراجع الهجرة وغياب الاستقرار الحكومي وضعف القدرة على تنفيذ الوعود وانحدار مؤشر الثقة الشعبية في الحكومة والمؤسسات.

وضع تونس الصحي والاقتصادي والاجتماعي حرج جدا قد يستدعي خطة انقاذ وطنية عاجلة لا تفترض نهائياً اضطراب العمل الحكومي أو أزمة سياسية لغاية 2025، حيث تفترض أفضل الحلول بالنسبة للوضع التونسي المالي الحرج تعزز الثقة في البيئة الاقتصادية والسياسية التونسية من أجل اقناع المستثمرين المحليين والأجانب بدعم جهود الحكومة في التنمية.

وتشهد تونس نزيفاً على مستوى رؤوس الأموال والكفاءات الوطنية وقد زادت حدة هذا النزيف منذ العام الماضي توازياً مع الوباء وزيادة الخلاف بين الرؤساء الثلاث ما زيادة حالة عدم اليقين بالاستقرار السياسي وإمكانية تحقيق التنمية على المدى القريب والمتوسط وضاعف مشاعر القلق والخوف لدى المستثمرين ودفع بزيادة هجرة رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية من البلاد.

الجائحة ترفع مخاطر زيادة التدخل الأجنبي في تونس

الوضع في تونس قد يكون فرصة لزيادة التدخل الأجنبي في البلاد خاصة على مستوى توفير الضمانات والدعم المالي مقابل شروط مجحفة بعضها غير معلوم وهو ما قد يؤثر على استقلالية خيارات خطة التنمية المستقبلية والتحالفات متوسطة وبعيدة المدى ويؤثر أيضا على اتجاهات نمو الاستثمار الوطني والإصلاح الإداري وازدهار المواطن.

ويبدو ان تونس في ظل استراتيجية الحكومة للخروج من الأزمة من خلال تحفيز حملة ديبلوماسية يقودها رؤساء البلاد والحكومة والبرلمان لا تجد محفزات توافق داخلي مفقود. حيث يسعى الرؤساء الثلاث كل على حدة لاعتماد سياسات مختلفة مفتقدة للتنسيق وعبر مبادرات منفردة لزيادة كسب الدعم الخارجي والقروض الدولية للظهور بصورة المنقذ أمام الشعب والملتزم بخطة اصلاح البلاد. حيث يسيطر التنافس على الحصول على الشرعية الشعبية على أولويات الإصلاح الحقيقي. الا ان تمويل برامج الاصلاح فرض في الآن نفسه إجراءات غير شعبية كرفع نسبة الدعم وتجميد التوظيف وهي شروط تحتمها مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي. ومثل هذه المفاوضات يقود رئيس الحكومة ويجد مسارها خلافات وانتقادات موجهة من المنظمات النقابية والشعبية واطياف في البرلمان وحتى رئيس البلاد. حيث أن شروط الحصول على الدعم والتمويل تفترض زيادة كلفة الحياة على المواطن مقابل انسحاب أكبر للدولة على مستوى الخدمات الممنوحة والمدعومة وهو ما يتناقض مع الوعود الانتخابية لكل من رئيس البلاد وممثلي البرلمان الأمر الذي قد يمثل عامل توتر قد تستغله الأحزاب والمنظمات العمالية لزيادة وتيرة الاحتجاجات.

اهتمام أوروبي وأمريكي بإنقاذ تونس من أجل ليبيا

حملة الجهود الديبلوماسية المكثفة التي يقودها قياديو البلاد على مستوى الرئاسات الثلاث وان أثمرت تعهدات بدعم مالي خارجي من أصدقاء وحلفاء متناقضون مع احتمالات قروض ضخمة بضمانات دولية أمريكية خاصة، تواجه في المقابل فشلاً بسبب تناقض سياسات وتصريحات الرؤساء الثلاث الذين يقودون هذه الجهود، ويمثل تناقض سياساتهم نقطة ضعف كبيرة في تجربة انقاذ تونس.

تتدخل أكثر من جهة اليوم في البلاد في ممارسة الديبلوماسية. هذه الديبلوماسية المشتتة لم تعد تنسجم بالشكل الكافي مع انتظارات شركاء تونس الدوليين خاصة على مستوى الإيفاء والالتزام بالتعهدات والاتفاقات وتقديم التسهيلات خاصة للمستثمرين الأجانب. وباتت سياسة تونس الخارجية غير الموحدة تثير أزمة ثقة لدى المجتمع الدولي بشأن صانع السياسات الحقيقية في البلاد. حيث تؤثر دعوات داخلية باستقالة الحكومة وأخرى بعزل رئيس البرلمان وأخرى برحيل رئيس البلاد على ثقة شركاء تونس الدوليين الذين يستمرون رغم ذلك في دعم تجربة البلاد الديمقراطية وعدم انحرافها الى العنف من أجل تجنب بؤرة توتر جديدة على الحدود الليبية. اذ يمثل استقرار تونس دعماً مهماً لاستقرار ليبيا وهو ما يدفع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بشكل خاص لتعزيز استقرار البلاد مهما كانت حدة الخلافات الداخلية. ويعول شركاء تونس الدوليين على بناء علاقات مؤسسية منذ عقود مع تونس مهما اختلفت الأنظمة والقيادات والنخب السياسية.

لذلك عززت الولايات المتحدة من دعمها للمؤسسة العسكرية ودعم مفاوضات الحكومة التونسية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي من خلال توفير ضمانات تكفي لمعالجة نقاط الضعف في الاقتصاد التونسي المنكشف على المخاطر بسبب أزمة استثمار متفاقمة بتراجع الاستثمار المحلي والاجنبي وأزمة ديون خانقة. كما ان تراجع تصنيف تونس الائتماني جعلها تلجأ لضمانات الولايات المتحدة من أجل الحصول على قرض لتمويل عجز تاريخي.

من جهته سارع الاتحاد الأوروبي لصرف أضخم معونة لبلاد بقيمة نحو 300 مليون يورو[9] بهدف تعزيز سبل دعم الإنقاذ البلاد من تداعيات الوباء ومنع حصول احتقان اجتماعي قد يؤثر على عمل المؤسسات والدولة وتعهداتها نحو الاتحاد خاصة على مستوى التجارة وتنقل الأفراد والحد من الهجرة السرية.

ويعوّل المجتمع الدولي خاصة المؤثرين في المشهد الليبي كالاتحاد الأوروبي وبالأخص فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والشركاء الخليجين ومصر على استقرار تونس لإقناع الفرقاء في ليبيا بالاقتداء بنجاح نموذج الانتقال الديمقراطي في تونس وخيار الحل السياسي والانفتاح على نموذج تحديث الدولة. ولعل تونس أقرب الدول التي قد تكون منوالا لمسار الانتقال الديمقراطي في ليبيا بسبب اشتراك البلدين لانتفاضات شعبية في 2011 أطاحت بأنظمة ديكتاتورية. وتحرص جيدا الدول الداعمة للحل السياسي في ليبيا على تطبيق نموذج الحوار السياسي في تونس في مسار الانتقال الديمقراطي الهش في ليبيا. لذلك فان أي أزمة سياسية او فوضى تحل بتونس قد تنعكس سلباً على ليبيا وتكون محفزا سلبياً لاضطراب مسار الانتقال الديمقراطي والعودة الى الفوضى والصراع العسكري.

وبالتالي فان رغبة نجاح الاستقرار السياسي في ليبيا يعتبر دافعا مهما جدا للحرص على منع وصول الأوضاع في تونس الى العجز المالي الشامل او الفوضى.

الأزمة السياسية والجائحة تغيران أولويات الشعب التونسي

تدفع بواعث تأخر حلول الأزمة التي فرضتها تداعيات الجائحة على مختلفة القطاعات مع مخاوف من انعدام الثقة في الدولة ووعودها الى توقع موجات غضب شعبية قد يزيد زخمها مع تراجع نسبة الأمان الصحي والوظيفي وتراجع مصادر الدخل وتراكم المديونية.

وقد تواجه تونس، مالم يتم اصلاح هيكلي يطال آليات عمل المنظومة الحاكمة، ردود فعل شعبية قد تكون أعنف من تلك التي سجلت في انتفاضة الربيع العربي في 2011، حيث تحمل قطاعات شعبية واسعة النخب السياسية والحزبية منذ 2011 الى اليوم سبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مقابل زيادة تهميش الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وقد تتخذ ردود الفعل الشعبية حراكاً يحمل في بعده مخاطر سلوكيات انتقامية من مسببات تردي الأوضاع الاجتماعية.

وبالنظر لتغير أولوية المطالب الشعبية المتوقعة، زاد رصد تبني عدد كبير من التونسيين لأولوية اصلاح الأوضاع المعيشية على حساب المطالب السياسية والديمقراطية، مع رصد نمو ظاهرة العزوف الشعبي عن الطبقات السياسية والأحزاب في مقابل تأييد أكبر لخطابات المستقلين.

ولم ترتقي السياسات في تونس لتكييف العمل الحكومي مع خصوصية أزمة الوباء حيث ظلت مؤشرات البيروقراطية والفساد الإداري تعيق جهود انقاذ البلاد من تداعيات الجائحة. كما مثل تقدم أولوية البحث عن استقرار سياسي داخلي على حساب أولوية الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي من أهم مسببات الضعف الاقتصادي وهشاشة الدعم الاجتماعي ودفع المواطن الى خيارات العزوف عن الثقة في الدولة ومحدودية الالتزام بتوصيات الحكومة وعدم الاكتراث خاصة فيما يتعلق بالقيود الصحية وهو ما سرع في تفشي العدوى.

وخلصت دراسة تقييم المركز (MenaCC) لسياسات تونس في ادارة أزمة الوباء الى رصد تغير بنسبة 60 في المئة في أولويات حكومة رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي التي بدأت عملها منذ سبتمبر 2020 مقارنة بحكومة الياس الفخفاخ التي لم تستمر سوى 6 أشهر منذ انطلاق الجائحة في مارس 2020. التغيير الذي اتضح في سياسات المشيشي اعتمد براغماتية موازنة الحفاظ على مصالح الاقتصاد والمواطنين في الوقت نفسه وتجنب الاغلاق الشامل وموائمته حسب الوضع الوبائي، وهذه المعادلة فشلت كلياً في ظل إدارة المشيشي في حماية حياة المواطنين والاقتصاد بتسجيل تضاعف حجم تداعيات الوباء على حياة المواطنين والاقتصاد مقارنة بعهد الفخفاخ الذي خير الوقائية الموجعة والدعم الاجتماعي الوقتي. الا ان كلفة سياسات الفخفاخ الضخمة تجنبتها حكومة المشيشي من اجل دفع هدف الإنقاذ الانتقائي والتحرك الوقائي المشروط، لكن فشل هذه التوجهات فرضت على تونس خيار سياسة مناعة القطيع التي أودت بحياة ألاف المواطنين في ظل تأخر الحكومة في الحصول على التطعيم مقارنة بدول عربية أخرى.

كما يعتبر الخلاف المتصاعد بين رئيسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة) نقطة ضعف مؤثرة في السياسة الخارجية لتونس، حيث لم تساعد على تسريع المفاوضات اللازمة للحصول على التطعيم اللازم ومساعدات خارجية بالإضافة الى تأثير الخلاف بين رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان والمنظمة العمالية الفاعلة على تأخر الحصول على موارد مالية مستحقة لعلاج تضخم العجز كقرض صندوق النقد الدولي الذي تأخر منحه في ظل عدم التوافق على شروط الإصلاح الداخلي مع زيادة تسبب هذا الخلاف في بواعث عدم الاستقرار السياسي ما أضعف أيضاً ثقة المستثمر الأجنبي في بيئة الاستثمار التونسي وهو ما حفز هجرة الاستثمارات من البلاد.

كما أسفرت خيارات الحكومة الجديدة باعتماد سياسة مناعة القطيع في ظل تأخر وبطء سياسات التلقيح بسبب صعوبات الحصول عليه الى تفاقم ضحايا الوباء واستنزاف البنية التحتية الصحية وزيادة فقدان المواطن لثقته في الحكومة التي عدلت أولوياتها بإصلاحات اقتصادية واجتماعية موجعة في ظل حرصها على تسريع مفاوضات الحصول على أكبر قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار[10]، واستجابت الحكومة لبعض شروط صندوق النقد بدعم زيادة الضريبة ورفع تدريجي لحجم الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية وتجميد بنسبة كبيرة لمعدل التوظيف في القطاع العام، هذه الاجراءات أدت الى موجة ارتفاع في الأسعار لتنضاف لمؤشرات سلبية كتعثر نمو الاستثمار الوطني فضلا عن ركود قطاع التجارة والتصدير والسياحة. ومثل هدف تحفيز نمو هذه القطاعات أولوية حكومية ملحة عبر البحث عن موارد مالية إضافية عاجلة لتمويل برامج الإنقاذ القطاعي وتعهدات الإيفاء بمواعيد خلاص القروض الأجنبية التي حل آجالها فضلا عن دعم استقرار حجم الانفاق على أجور القطاع العام المتضخم، حيث يعتبر أكبر مستنزف للمالية العامة مقارنة بمحدودية الاستفادة من حجم الموظفين الكبير. ويواجه خيار تقليص حجم الانفاق على الأجور الذي يشترطه صندوق النقد الدولي لتأمين القرض لتونس معارضة عمالية ونقابية كبيرة. وبالتالي فان آفاق الإصلاح الإداري تستمر في التعثر على المدى القريب في ظل مقاومة النقابات والجمعيات العمالية لأي تغيير هيكلي لمنظومة العمل والأجور في القطاعين العام والخاص وهو ما قد يزيد من توقعات نمو نسب البطالة الى 2025.

 

 

2021 ©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية (MenaCC)

 

الهوامش: 

[1] Bilel Kchouk, Les « anciennes » élites économiques et le changement de régime en Tunisie : de l’incertitude vers la consolidation politico-économique des positions, Politix, 2017/4 (n° 120), pages 157 à 178
[2] MINIMOIKS, The Deep State is fighting back in Tunisia, Mediapart, 2016, https://blogs.mediapart.fr/donbishopsam/blog/030116/deep-state-fighting-back-tunisia
[3] Tunisia Corruption Report 2020, Gain Integrity, https://www.ganintegrity.com/portal/country-profiles/tunisia/
[4] CORRUPTION PERCEPTIONS INDEX 2020, https://images.transparencycdn.org/images/CPI2020_Report_EN_0802-WEB-1_2021-02-08-103053.pdf
[5] Tunisia, update report 2021, fiscal deficit, world Bank, https://www.worldbank.org/en/country/tunisia/overview#:~:text=The%20fiscal%20deficit%20is%20expected,%2DOwned%20Enterprises%20(SOEs).
[6] Reuters, Angus, Mcdowall, Tarek Amara,Tunisia to seek $4 bln IMF loan, PM says, april 2021, https://www.reuters.com/world/africa/tunisia-seek-4-bln-imf-loan-pm-says-2021-04-30/
[7] INS, Inflation in tunisia, May 2021, http://www.ins.tn/en
[8] Tunisia, country report, WHO, covid 19 update, https://covid19.who.int/region/emro/country/tn

[9] Union europeenne, L’Union européenne verse une aide de 300 millions d’euros à la Tunisie, june 2021, https://www.euneighbours.eu/fr/sud/stay-informed/news/lunion-europeenne-verse-300-millions-deuros-dassistance-macro-financiere-la

[10] Reuters, Tunisia to seek 4 billion IMF loan, https://www.usnews.com/news/world/articles/2021-04-30/tunisia-to-seek-4-billion-imf-loan-pm-says